هرمز مقابل جبل طارق... ومثله
ناصر قنديل
– لا نعلم إذا كان البريطانيون قد انتبهوا أم لم ينتبهوا إلى أهمية ما وفروه لإيران في معركتها التاريخية حول السيادة والقوة في مضيق هرمز، الذي يمثل مفصل الاستراتيجية الإيرانية في الإفادة من ميزات الجغرافيا الدولية الاقتصادية والعسكرية التي تعرف كيف تدير معادلاتها. فالخطوة الرعناء لبريطانيا في إيقاف الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق، لا تستقيم إلا إذا تصرفت لندن على أساس أن الدولة التي تملك السيادة البرية على طرف المضيق تملك الحق بتفتيش السفن التي تتجاوزه وفقاً لمفهوم المرور العابر قانونياً، أي المرور باتجاه مقصد نهائي آخر، دون التوغل في المياه الداخلية للدولة المشاطئة، بينما المواجهة التي تخوضها واشنطن مع إيران حول المرور العابر في مضيق هرمز تنطلق من إنكار أي حقوق للدول المشاطئة للمضيق في التعامل مع «المرور العابر».
– الخطوة الإيرانية التي استهدفت الناقلة البريطانية أخذت وقتاً قبل أن تعتمد إيران تنفيذها رغم السهولة التكتيكية لعملية التنفيذ، لأن إيران كانت تحسب المداخل والمخارج للعملية. فالأصل بالنسبة للأميركي عندما ورط بريطانيا في عملية السيطرة على الناقلة الإيرانية، كان وضع إيران أمام موقف محرج، بين ردّ يتضمن المخاطرة بخسارة وقوف بريطانيا ضمن ثلاثي أوروبي مساند للاتفاق النووي، يضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهو ما لا تريده إيران رغم عدم رضاها عن حدود الاستجابة الأوروبية لموجبات الاتفاق النووي تجارياً ومالياً، ورغم إدراكها لكون بريطانيا تشكل أضعف الحلقات الأوروبية في التمسك بالاتفاق، لكن طهران تدرك الخطة الأميركية التي تنطلق من استشعار الفشل بعزل إيران، ومن الشعور بالضيق لكون واشنطن لا تزال وحدها خارج الاتفاق، من أصل الخمسة زائداً واحداً، وتسعى عبر إخراج بريطانيا، أن تخطو الخطوة الأولى قبل الانتقال للتركيز على شريك آخر، صولاً لإسقاط الشركاء الأوروبيين، ووضع إيران أمام معادلة تضعها طهران في حسابها كاحتمال وارد طالما قررت البدء بخطوات إجرائية للخروج من الاتفاق النووي، لكنها لا تسعى لتقديمها خدمة مجانية لواشنطن.
– بالمقابل تدرك طهران أن ترك التصرف البريطاني دون ردّ رادع سيعني فتح الباب للتمادي في التعامل مع إيران من موقع التطاول على حقوقها القانونية، في ميادين كثيرة من مجالات التجارة العالمية، لذلك رسمت طهران معادلة مبتكرة لتعاملها مع بريطانيا، فتركت لندن تخوض المعركة السياسية والقانونية والدبلوماسية لتأكيد أن عملية إيقاف الناقلة الإيرانية عمل قانوني، استناداً إلى بدء سيادة الدولة المشاطئة للمضيق، وبعدما اكتملت المرحلة قامت إيران بما يترجم هذا المبدأ من موقعها على مضيق هرمز، بحجز الناقلة البرطانية، وهو شأن مختلف عن تهديدات إيران السابقة بإقفال المضيق، وطورت إيران المفهوم القانوني بالإعلان عبر مجلس الشورى عزمها عن فرض رسوم مرور في مضيق هرمز، والأمر ليس بالعائد المالي للمرور، وهو في كل حال ليس بسيطاً، بل في كون تسديد الرسوم سيعني التوقف عند نقطة جمارك إيرانية بما يعنيه ذلك من حق التفتيش، والتحقيق وربما التوقيف، وما يعنيه عموماً من تثبيت حق الإمساك بالعبور من المضيق.
– لم تتأخر إيران بعد ذلك عن منح بريطانيا الجواب الإيجابي على قبول مساعٍ عمانية للوساطة من أجل حل النزاع، وما قد يتضمنه من صيغة لمقايضة الناقلتين الإيرانية والبريطانية، وضمان متبادل لحرية عبور الناقلات البريطانية في مضيق هرمز مقابل حرية عبور الناقلات الإيرانية في مضيق جبل طارق، ويكون على واشنطن بذلك البحث عن طرق أخرى لمواجهة إيران، طرق لا تمنح إيران فرص تحويل التحدي إلى فرصة، كما قالت أغلب الطرق الأميركية حتى الآن، فمعادلة هرمز مقابل جبل طارق ومثله، لم تكن ورادة في الحسابات الإيرانية الذكية لو لم تقدّمها لها الحسابات الأميركية الغبية.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/07/22