معالم تحالف ضفتي الأطلسي بين ترامب وجونسون
د.سعيد الشهابييمكن الزعم بأن وصول السيد بوريس جونسون لرئاسة وزراء بريطانيا تجسيد آخر لظاهرة «الشعبوية» التي شاعت في السنوات الأخيرة في أوروبا وأمريكا، وبالتالي فهي مدعاة للقلق العميق من تفاقم ظواهر سلبية عديدة، منها التعصب والسطحية الثقافية وهيمنة المشاعر المرتبطة بالغرائز غير المحكومة بالعقل، ورفض الآخر وتداعي القيم الأخلاقية، وتراجع الانتماء للدين ومبادئه وقيمه. ولم يكن غريباً أن يشعر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالغبطة لفوز جونسون الذي يشترك معه في خصائص عديدة، منها رفض الاتحاد الأوروبي كمنظومة جامعة لـ27 دولة، والقرب من «إسرائيل» واعتبارالحفاظ على أمنها أحد أسس السياسات الأمريكية والبريطانية في الشرق الأوسط، واستمرار تزويد أنظمة المنطقة بالسلاح وبناء القواعد، والعداء للإسلام كدين وليس بالظواهر المرتبطة به فحسب. وفي الأسابيع المقبلة ستتضح معالم السياسة الخارجية لبريطانيا تحت زعامة جونسون، خصوصاً في نمط تعاطيه مع إيران ومشكلة الاحتجاز المتبادل للسفن، وهي قضية بدأتها بريطانيا بتنفيذ أوامر أمريكية باحتجاز سفينة نفط إيرانية عملاقة في جبل طارق. ومع أن صعود جونسون لرئاسة الوزراء جاء نتيجة شبه مباشرة للاستفتاء الذي أجري قبل ثلاثة أعوام حول البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، إلا أن مدلولاته تتجاوز أزمة «بريكسيت» وترتبط بها في الوقت نفسه. فنتيجة الاستفتاء التي أقرت الخروج كانت وجهاً آخر للظاهرة الشعبوية المدمرة التي انتشرت في العالم وأصبحت تهديداً لوحدته وتقارب شعوبه وتطبيق مبادئه الجوهرية المتصلة بالحرية والعدالة وحق تقرير المصير ورفض الاحتلال ومنع الحرب. ولذلك فمن غير المناسب المرور السريع على هذه الظاهرة من دون استيعاب حقائقها وتبعاتها على أمن العالم واستقراره.الرئيس الأمريكي لم يخف امتعاضه من الاتحاد الأوروبي الذي يرى فيه عائقاً أمام طموحاته في الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم، كما لم يخف رغبته في زوال الاتحاد، وكرر مراراً ما يسميها «نصائح» قدمها لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة، تيريزا ماي، حول «بريكسيت». وفي الوقت الذي أضفى الكثير من المديح لجونسون طوال السنوات الثلاث الأخيرة، فإنه كان واضحاً في موقفه المعادي لعمدة لندن الحالي، صادق خان، الذي احتل موقعه بعد خروج جونسون منه. وقد كرر ترامب تغريداته التي تهاجم السيد خان ورئيسة الوزراء نفسها مراراً، الأمر الذي استقبحه الكثيرون لأنه خرج على السياقات الدبلوماسية المألوفة في العلاقات الدولية. ومن معالم الخطاب المشترك بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني الجديد أمور عديدة. أولها: انتحال لغة الشارع في التعاطي مع السياسة والعلاقات المجتمعية، وفي ذلك تجسيد عملي للشعبوية التي تتحرك بدوافع غريزية غير خاضعة لإشراف العقل وتوجيهاته. فهي تعبير عن الدوافع الغريزية البدائية التي ساهمت التطورات البشرية عبر القرون في صياغتها وتشذيبها وتوجيهها ضمن مقتضيات العقل والمنطق ومبدأ التعايش السلمي بين البشر.ثانياً: العلاقة الحميمة مع «إسرائيل». لم يخف الرئيس الأمريكي حماسته للدفاع عن الكيان الإسرائيلي، بل اعتبر ذلك العمود الأساس لسياسته في الشرق الأوسط، فاعترف بالقدس عاصمة للكيان، ونقل سفارته إليها ودفع دولاً أخرى للقيام بذلك، واستخدم الفيتو لإفشال أي مشروع بمجلس الأمن ضد السياسات الإسرائيلية، وركز جهوده ضد إيران بسبب موقفها الرافض للاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ودفع السعودية والإمارات والبحرين للتطبيع معه، وطرح مشروع «صفقة القرن» لإنهاء القضية الفلسطينية والقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، وأمر حاكم البحرين باحتضان ورشة اقتصادية لتدشين صفقة القرن.وصول السيد بوريس جونسون لرئاسة وزراء بريطانيا تجسيد آخر لظاهرة «الشعبوية» وبالتالي فهي مدعاة للقلق العميق من تفاقم ظواهر سلبية عديدة، منها التعصب والسطحية الثقافية وهيمنة المشاعر المرتبطة بالغرائز غير المحكومة بالعقلأما بوريس جونسون فهو الآخر لديه نزعات تجاه «إسرائيل» ضمن الإطار العام للسياسة البريطانية التقليدية. فقد عين بريتي باتيل وزيرة للداخلية بحكومته، الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين. وكانت باتيل، وهي من أصول هندوسية هندية، قد أجبرت على الاستقالة من منصبها كوزير للتنمية الدولية، في نوفمبر 2017، بعد أن كُشف النقاب عن عقدها لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، خلال عطلة في «إسرائيل» في أغسطس، من دون علم رئيسة الوزراء حينها، تيريزا ماي، أو وزارة الخارجية. واستقبل الإسرائيليون وصول جونسون لرئاسة الوزراء بارتياح كبير.وقالت صحيفة «إسرائيل اليوم» في مقال نشرته للسفير السابق رون بروشاور، إن «جونسون صديق عظيم لإسرائيل، وسيعمل على حماية يهود بريطانيا من اللاسامية»، مضيفاً أن «إسرائيل ابتسمت أمس بعد الإعلان عن انتخاب جونسون لرئاسة الحكومة البريطانية التالية».ثالثاً: تأسيساً على العلاقات الحميمة مع «إسرائيل»، توترت العلاقات بين أمريكا وإيران طوال العقود الأربعة الماضية. ومنذ مجيء ترامب تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، خصوصاً بعد أن سحب ترامب بلاده من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران في العام 2015 مع الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا. جاء ذلك بضغوط إسرائيلية مباشرة على البيت الأبيض وما تزال آثار ذلك الانسحاب متواصلة. إن توتر العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية ليس جديداً، ولكنها شهدت هدوءاً نسبياً في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، قبل أن تتراجع في السنوات الثلاث الأخيرة، أي منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض. أما العلاقات البريطانية ـ الإيرانية فهي الأخرى كانت مضطربة طوال العقود الأربعة الماضية، وقد شهدت صعوداً وهبوطاً، وساهمت شخصيات الزعماء في توجيه تلك العلاقات. وجاءت أزمة السفن الحالية لتضفي بعداً آخر على تلك العلاقات. مع ذلك لا يبدو أن جونسون يشارك ترامب في كل مواقفه إزاء إيران، ويؤكد عدم رغبته في التصعيد المؤدي إلى الحرب. وفي مناظرة سياسية أثناء حملة انتخابات رئاسة حزب المحافظين هذا الشهر، قال جونسون: «لمن يقول إن الدخول في حرب ضد إيران يمثل خياراً معقولاً لنا في الغرب، أنا لا أصدق ذلك على الإطلاق. فالدبلوماسية لا بد أن تكون أفضل طريقة لإحراز تقدم».رابعاً: الموقف من الإسلام، بالرغم من أن ترامب لم يهاجم الإسلام كدين علناً، إلا أنه لم يخف تحسسه من المسلمين. ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض منع مواطني عدد من الدول الإسلامية من الدخول إلى الولايات المتحدة إلا بجهود كبيرة. وفي مقابلة مع أندرسون كوبر في مارس 2016، قال ترامب: «اعتقد أن الإسلام يكرهنا. هناك شيء ما، يجب أن نصل إلى قعره. هناك كراهية لا يمكن تصديقها لنا»، بينما كان كوبر يستمع، ثم سأله «في الإسلام نفسه؟»، ليُجيب ترامب: «عليك فهم ذلك… لكن هناك كراهية كبيرة ولا يُمكننا السماح لأشخاص أن يدخلوا، وفي داخلهم كُلّ تلك الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية». وربما كان بوريس جونسون أكثر صراحة في استهداف الإسلام، كدين، والمسلمين كأتباع. جونسون، وفي مقال له بعنوان «ثم جاء المسلمون»، أضافها إلى طبعة العام 2007 من كتابه المذكور، كتب بوريس جونسون: «لا ريب أنّ ثمّة شيئاً في الإسلام يمكن أن يفسّر عدم ظهور البرجوازية ولا الرأسمالية الليبرالية، وهو الأمر الذي حال دون انتشار الديمقراطية في العالم الإسلامي». وأضاف: «إن ثمة شيئاً في الإسلام يعوقُ عمليات التنمية، ونتيجة لذلك فقد كان «التظلم الإسلامي» (شعور المسلمين بالظلم والضيم الواقع عليهم) عاملاً في تأجيج الصراعات». وقبل عامين نشر مقالاً في صحيفة «تلغراف» شبّه فيه النساء المسلمات اللائي يرتدين الحجاب بـ«صناديق البريد» و«لصوص المصارف»، الأمر الذي أثار موجة استنكار في أوساط المسلمين.جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2019/07/29