من سوريا الى الخليج… تحولات مرتقبة في منطقة ملتهبة
كمال خلف
في السابع والعشرين من الشهر الماضي زار وزير الشؤون الخارجية العماني ” يوسف بن علوي” إيران حاملا رؤية أمريكية بريطانية تقوم على الافراج المتزامن للناقلتين المحتجزتين في إيران وجبل طارق. وعرض من واشنطن يقوم على رفع جزئي للعقوبات الأمريكية على طهران مقابل قبول إيران للجلوس على طاولة المفاوضات. ونعتقد أن الوساطة العمانية هذه هي أهم قنوات الاتصال غير المباشرة بين ايران الولايات المتحدة. وهو وساطة سنرى أثرها الملموس في الأيام المقبلة، فيما يجري الآن تعديلات عليها وفقا لاتصالات تجري.
وعلى هامش ذلك برز موقف لوزير الخارجية الأمريكية يقول أرغب في زيارة طهران كي أتحدث للشعب الإيراني، وهو طرح ساذج، لأن مايك بومبيو في عالم مفتوح الاتصالات ويمكنه أن يخاطب الشعب الإيراني وهو جالس في مكتبه.
إلا أن في خلفية هذه الطرح تكمن الرغبة الأمريكية في قفزة بهلوانية تجاه ايران، تحاكي تلك القفزة الأمريكية مع كوريا الشمالية. وبالتالي لا يمكن فهم كلام “بومبيو ” إلا من زاوية الرغبة في زيارة طهران وأحداث أختراق نوعي في مسار الأزمة. وعلى خلاف ما يبدو من تشدد لدى إدارة الرئيس ترامب تجاه ايران، وهو ما بدأ من لحظة إعلان الإدارة انسحابها الأحادي من أتفاقية “العمل الشاملة المشتركة ” فإن إدارة ترامب لديها نوايا جدية للذهاب بعيدا في العلاقة مع إيران، تتجاوز اتفاق نووي جديد بعد مفاوضات إلى علاقات دبلوماسية كاملة. وهو مالم تقدم عليه إدارة أمريكية منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979.
الواقع المتوتر الذي ساد في منطقة الخليج خلال الفترة الماضية أظهر أمورا أساسية باتت ثابتة وعليها تبنى تحركات الأطراف المعنية الآن في الخليج. وأهم تلك الأمور هي:
ـ أولا – أن إيران لديها أوراق قوة حقيقية لمواجهة التحديات الأمريكية في المنطقة، أظهرتها إيران ببراعة وإتقان وحذر وجرأة، وما زال في جعبتها الكثير منها وتوظفها حسب الموقف السياسي والعسكري ووفق التطورات.
ـ ثانيا – قناعة كل الأطراف أن الولايات المتحدة لن تذهب إلى حرب مع إيران لعدة أسباب باتت معروفة منها ما يرتبط بالأثمان الباهظة ومنها ما له علاقة بأمن اسرائيل وطبعا عامل الانتخابات الأمريكية المقبلة من أهم تلك الأسباب.
ـ ثالثا ـ الحماسة الأمريكية لإجراء مفاوضات مع إيران تتجاوز رغبتها في تعديل الاتفاق النووي، “حتى ولو كانت التعديلات غير جوهرية” إلى مفاوضات على ملفات في المنطقة من أمن الخليج إلى فلسطين إلى العراق واليمن وأفغانستان ولبنان وليس انتهاء بسوريا.
بالاعتماد على هذه الثوابت بدأت الأطراف في الخليج تبني حساباتها المستقبلة. وهذا ما يفسر التحولات التي طرأت على السياسية الإمارتية تجاه طهران، والمقاربة الجديدة لها في حرب اليمن، ولا نعتقد أن الإمارات تسير في هذه التحولات بمعزل عن الحليف السعودي. إنما العقيلة البراغماتية الإمارتية و مرونة دبلوماسيتها والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها جعلتها تتحرك بسرعة أكبر، وكنا أشرنا إلى هذه التحولات الإمارتية بوقت مبكر جدا في هذه الصحيفة.
أبو ظبي لم تقم بقفزات مفاجئة تجاه طهران كما يبدو إعلاميا الآن، إنما مهدت لذلك في مسارات خلفية استطاعت خلالها بداية من منع أي هجمات عليها من داخل اليمن. ويصعب على الكثيرين تخيل أن أبو ظبي تقوم بهذه التحولات بعيدا عن الضوء الأخضر الأمريكي، إلا أن هذا ما حدث بالفعل، ولم تقم الإمارات إلا بشرح مبررات القيام بذلك لكافة حلفائها، ولكنها لم تحصل على الموافقة مسبقا، أو تحركت بناء على أمر من البيت الأبيض.
ويبقى السؤال المعلق حتى الآن، هل هذه التحولات وهي البداية فقط تجاه ايران، ولها ما بعدها سعوديا وان بحذر. هل سوف تغير من معادلة خليجية حاولوا فرضها على العرب تقول ان ايران هي العدو الأول للعرب، وأن مواجهة إيران أولوية تتجاوز الصراع العربي الإسرائيلي؟. حتى الآن ما زالت الإمارات والسعودية تتبنى شخصيات ساذجة اشتركت في حملة منظمة على كافة المنصات الأعلامية والاجتماعية لشتم الشعب الفلسطيني والإساءة لقضيته، هل اختفاء هذه الأصوات يمكن أن يعتبر مؤشرا على تحولات عميقة ومراجعة شاملة للسياسيات السابقة ؟ أم أن أبو ظبي والرياض تحصر التحولات وفق أولوية أمنها في الخليج فقط. نؤكد بإصرار أن هذه الأصوات المنفلته تضر بدولة الإمارات والسعودية وتسيء إلى شعوب منطقة الخليج قبل غيرها، ونؤكد هنا على الأخوة بين كافة الشعوب العربية و نأمل أن تقوم حكومات هذه الدول بوضع حد لهذا الجنون.
ومن الخليج إلى شمال سوريا حيث تتصارع الأطراف هناك على مستقبل المنطقة، وهو صراع تقلص من أهداف طامحة لإسقاط النظام في دمشق إلى أولوية الحفاظ على المصالح و البقاء في نطاق اللعبة لمحاولة التأثير في مستقبل سوريا.
تركيا بلا شك اللاعب الأبرز في الشمال السوري، وهي قبل أسبوع فقط تلقت صفعة من العيار الثقيل بعد أن رفضت واشنطن كافة طلباتها فيما يخص المنطقة الآمنة. وإنهارت المفاوضات على وقع تصريحات عكست حالة إحباط لدى أنقرة.
التحولات المرتقبة وفق تطورات كثيرة جرت خلال الأشهر الماضية تكمن في خطوة تركية تجاه دمشق، قد تكون غير مسبوقة منذ اندلاع الأحداث في سوريا قبل ثماني أعوام. نعتقد أن تركيا وافقت وكذلك دمشق على الخوض في مفاوضات مباشرة في ملفات أمنية وسياسية، تعيد ترتيب الوضع في الشمال السوري، وتراعي المصالح والأمن القومي التركي، وكذلك بحث مسألة التنسيق بين أنقرة ودمشق لمواجهة خطر قيام كيان كردي شرق الفرات برعاية أمريكية.
لا نعتقد أن هذا المسار سيكون واضحا أو معلنا خلال المرحلة المقبلة، ولكن قد نرى أعراض هذه المفاوضات اذا ما أثمرت على أرض الميدان. واذا ما أنجزت تركيا هذا التحول فإننا سنكون أمام تغييرات كبرى في الملف السوري بل على مستوى خارطة التحالفات في المنطقة. ما علينا ألا الانتظار حتى تكتمل تلك التحولات في المنطقة، وسنكون بلا شك أمام واقع جديد نأمل أن يكون أفضل من الراهن.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/08/02