الأردن في قلب العاصفة... لماذا تتراكم الأزمات؟
هشام الهبيشان
ليس بعيداً عن كل التطورات السلبية الجارية مؤخراً بالشارع الأردني سياسياً اقتصادياً اجتماعياً ثقافياً أمنياً، فالواضح أنه لا يزال الأردن، حتى يومنا هذا، يعاني من أزمة قديمة جديدة مستعصية، تتمثل بقيادة البلد برأي واحد وعقلية واحدة، ترفض مطلقاً السماع لأي رأي آخر وأي تفكير جديد، والخاسر الوحيد من كلّ هذا الوضع هو المجتمع الأردني الذي نراهُ اليوم يتحمّل عبء كلّ مَن أفسد وفسِد في هذه البلاد.
وعلى محور آخر وهامّ، يعلم كلّ متابع ومراقب للشأن الأردني الداخلي في هذه الأيام حجم التساؤلات التي يطرحها المجتمع الأردني قلقاً وتوجُّساً من المستقبل قاتم المعالم للدولة الأردنية داخلياً وخارجياً، خصوصاً في ظلّ الحديث عن تفاهمات كبرى تجري اليوم لترتيب ملفات المنطقة من جديد. وأجزم أنّ الأردن سيتأثر سلباً وبشكل كبير من مسار هذه التفاهمات، خصوصاً في ظلّ الحديث عن مبادرة تقودها بعض الأنظمة العربية وبالتنسيق مع قوى غربية بهدف تصفية القضية الفلسطينية. ويبدو أنّ ما يجري الحديث عنه اليوم في بعض الأوساط الأردنيّة والفلسطينيّة من فيدرالية أو كونفدرالية بين الأردن وفلسطين بمجموعه يصبّ في خانة التصفية الكاملة للقضية على حساب الأردن وتضحيات شعبه المقاوم الرافض لكلّ هذه المشاريع.
واليوم وأمام الكثير من التحديات التي يعيشها شعبنا في الأردن، تكثر تساؤلات الأردنيّين عن الآتي من الأيام وعن مستقبلهم وهم يستشرفون بألم طبيعة هذا المستقبل، ويتساءلون: هل سيتحسّن الوضع الاقتصادي والمعيشي؟ هل سيجد مئات الآلاف من الشباب الأردني الذين هرموا مبكراً فرص عمل؟ بعدما نهب الفاسدون ومَن يحميهم ومَن في صفّهم أموال ومُقدّرات البلاد، يتساءل الأردنيون بألم عن مصير أبطال مسلسلات الفساد في الأردن، والذين يتنعّمون بأموال الأردنيّين في نيويورك ولندن وباريس، وفي منتجعات مضيق البوسفور، ويمارسون طقوس شهواتهم القذرة على حِساب دماء ومستقبل الأردنيين. الأردنيّون يتكلمون بألم ويتساءلون عن مصير هؤلاء وحجم ثرواتهم التي تراكمت. يتساءلون عن مستقبل أبنائهم وبناتهم الذين باتوا عالةً عليهم، بعد أن جرّدهم الفاسدون والمُفسِدون من ثرواتهم، ولم يعُد الأردن قادراً على توفير أدنى متطلبات الحياة للشعب الأردني.
فقر، بطالة، تهميش، جوع، إقصاء. تركة الفاسدين الثقيلة للشعب مديونية على الدولة خارجية – داخلية مرتفعة تجاوزت حاجز الـ 43 مليار دولار، ومديونيّة داخلية على المواطنين الأردنيين للبنوك ومؤسسات التمويل المحلية تجاوزت حاجز الـ 27 مليار دولار، وهذه بمجموعها يتحمّل أعباءها الآن 600.000 من الشباب العاطلين عن العمل أو الذين يعملون بأجورٍ زهيدة جدّاً. يتحمّل أعباءها شعبٌ يرزح ليل نهار تحت ظلم التجويع الممنهج الذي فرضته سياسة الإفساد والفساد التي تغذيها أجندة خارجية لإخضاع هذا الشعب أمام المشاريع التي تستهدف هوية الوطن الأردني، ولا ندري إلى أيّ مدى سيبقى النظام السياسي يتعامى عن رؤية حقيقة الأزمة التي يعيشها الشعب الأردني في هذه المرحلة في ظلّ غياب مفاهيم العدالة؟ هل هذه سياسة مُمنهجة يفرضها النظام السياسي على الأردنيين؟ ما زلنا نبحث عن إجابات مقنعة!؟ فأزمات الأردن وشعبه اليوم، دخلت في بداية نفقٍ مظلم، ولا نعرف ما هي النهاية التي سيوصلنا إليها هذا النفق والتي ستكون حتماً مأساوية. فاليوم لم تعد تُجدي نفعاً سياسة تكميم الأفواه، ولا ممارسة الترهيب والتخويف الأمني، ولا سياسة فزاعة الغرف المظلمة والتعذيب في أقبية السجون، أو سياسة إرضاء «س» وحرمان «ص». هذه السياسات بمجموعها لم تعد تُجدي، فتراكم هذه الأزمات بدأ يمسّ هوية الوطن الأردني وبنية المجتمع وهيكلية المفاهيم الوطنية الثابتة، لهذا فإنّ الصمت على كلّ هذه الممارسات في هذه المرحلة، هو خطيئةٌ كبرى بحقّ الأردن وشعبه.
أزمات الأردن تتراكمُ أزمةً فوق أزمة، وللأسف لا يزال النظام السياسي، بكلّ أركانه، يتعامى عن هذه الأزمات ويقف عاجزاً عن وضع رؤى للحلول، ولا يزال غارقاً في أزمات المنطقة التي حمّلت الأردن أكثر مما يحتمل، فداخلياً لا يزال النظام يناور بسياسة الأمن والأمان التي بناها الشعب، ويحافظ عليها، ويسعى إلى تجييرها لصالحه، أمّا لسان حال الكثيرين من أبناء الشعب العربي الأردني، فيقول إنه لم يعد يحتمل كمّ المسرحيات التي تروّج له عبّر وسائل إعلام النظام السياسي، والمتمثلة بالحديث عن احتمالات بحلّ مجلس النواب، وتغيير الحكومة، ثم إعادة انتخاب مجلس نواب يفصّل في العادة على مقاس النظام السياسي.
ويستمرّ مسلسل استنزاف الدولة الأردنية ومقدّراتها بتبديل الوجوه والإبقاء على النهج نفسه، والهدف هو إشغال وإلهاء الشعب عن قضايا هامة يجب أن يتنبّه لها في هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها المنطقة كلها.
المؤلم هنا، هو حال الشباب الأردني اليوم فهو يعيش «فعلياً حالة من الاغتراب في مجتمعه ووطنه، وذلك نتيجةً لارتباطه بمتغيّرات وإفرازات المجتمع الذي ينشأ فيه، وكلّ ذلك بسبب سياسات الإفساد والفساد، ولا تزال أزمة البطالة تلاحقه في كلّ مكان وهو عاجز عن توفير لقمة العيش والمسكن. وهذا على الأقلّ سبب كافٍ لزيادة الشعور بالاغتراب داخل الوطن وفي البيئة المجتمعيّة الحاضنة لهؤلاء الشباب، في ظلّ عدم حدوث أيّ تغيير حقيقي في ظروفهم الاقتصادية وأحوالهم المعيشية، واتساع المسافة بينهم وبين خطط المسؤولين الفاسدين.
وقد أفرزت قضايا الفساد والإفساد ظواهر خطيرة في صفوف فئات عدّة من المجتمع الأردني. وهنا تبرز ظاهرة الإحباط والقبول به لدى الشباب، وهي أخطر ما يمكن أن يواجهه المجتمع، نتيجة إفرازات الواقع المُعاش وتراكم الكبت الذي أصبح مركباً ومعقداً للغاية، فقد انتشرت بين الكثير من الشباب الأردني، حالة الإحباط جرّاء البطالة والفقر وعدم الاستقرار النفسي، فلا يجد البعض وسيلة للخلاص إلا بإلقاء نفسه في النار، ويُسهِم في ذلك الفراغ الروحي، واليوم نرى حالة غير طبيعية بانتشار أفكار التطرّف وانتشار آفة المخدرات بين الشباب، ولنقس على هذه الظاهره باقي الظواهر عنف مجتمعي، عنف جامعي، ازدياد حالات الانتحار، الأزمات الأخلاقية إلخ وهي مشكلات مستعصية تنخر في جسد المجتمع الأردني، وأخصّ فئة الشباب منه، والفضل في كلّ ذلك يعود إلى سياسة الفاسدين والمُفسدين الذين قتلوا وحطّموا مستقبل الشباب الأردني.
ختاماً، على كل مواطن أردني أن يدرك بشكل كامل، أنّ الدولة الأردنية تعيش اليوم بكلّ مكوناتها وضعاً خطيراً جداً وبظواهر لا يمكن أن يُسكَت عنها، لأنّ السكوت عنها في هذه المرحلة خطيئة وجريمة كبرى لا تُغتفر بحقّ الأردن وشبابه ومجتمعه وأرضه ومستقبله وهويته.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/08/31