«الصقر» الذي لم يُخضِع ترامب
نادين شلق
قد يكون كلّ من الرجلين نسج تقديراً مغلوطاً في شأن الآخر (أ ف ب )
لم يكن قرار إقالة المستشار الثالث للرئيس الأميركي للأمن القومي، جون بولتون، خارج التوقعات، وذلك بالنظر إلى التطورات الأخيرة في الملفين الإيراني والأفغاني، وما رافقها من تسريبات عن توتّر العلاقة بين دونالد ترامب وبولتون، وتهميش الأول للثاني داخل الاجتماعات. ليس من الواضح من الذي استسلم قبل الآخر؛ فبعد إعلان ترامب الإقالة بـ12 دقيقة، دحض بولتون ادعاء رئيسه بتغريدة مقابِلة قال فيها إنه هو من قدّم استقالته. لكن بغضّ النظر عن المُبادر، يبدو أن الرجلين ارتاح أحدهما من الآخر، وجاءت هذه التغريدات لتضع حدّاً لـ17 شهراً من الخلافات.
قد يكون كلّ من الرجلين نسج تقديراً مغلوطاً في شأن الآخر، بالاستناد إلى إغراءِ توافر نقاط مشتركة تجمع بينهما. ربما اعتمد ترامب في هذا المجال على وصف يُطلَق على بولتون، وهو أنه من «المحافظين الجدد» الذين قد يمهّدون الطريق للرئيس للتقرّب من أطياف أخرى ضمن الجمهوريين. لكن هذا الوصف غير صحيح، وهو ما اتفقت عليه مختلف الأطراف، على اعتبار أن «المحافظين الجدد يزعمون أنهم يدافعون عن توسّع القيم الأميركية، بينما يريد بولتون أن يفرض القوة الأميركية»، على حدّ تعبير ميشيل غولدبرغ في صحيفة «ذي نيويورك تايمز». لفترة طويلة، قبل أن يُعرف ترامب عبر شعار «أميركا أولاً»، وصف بولتون نفسه بأنه «أميركي» يملك نظرة متّقدة للمصالح الوطنية والسيادة. لوهلة أولى، بدا وكأن بولتون مناسب جداً لترامب، فالأخير يزدري بدوره المؤسسات المتعدّدة الأطراف ويعادي العولمة. مع ذلك، فإن بولتون يقدّر مؤسسة واحدة متعددة الأطراف هي «حلف شماليّ الأطلسي» الذي يعتبر ذا ثقل موازن لروسيا، أَطلق عليه ذات مرة «أكثر التحالفات السياسية والعسكرية نجاحاً في تاريخ البشرية». وقد مكّنه الوقت الذي أمضاه في البيت الأبيض من تحريك بعض الاستفزازات في العلاقة مع روسيا، عبر وضع مسار لانسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الأسلحة وغيرها من الاتفاقات العالمية. فضلاً عمّا تقدم، كلا الرجلين قوميان متشددان، يحرصان على تمكين اليمين الإسرائيلي، ويملكان رؤى معادية للإسلام، ويبديان اهتماماً خاصاً بالسعودية.
لكن بولتون، الذي يرفض الاعتراف بأن الحرب على العراق كان غلطة، طالما اعتقد بأن أعداء أميركا الأكثر عناداً هم كوريا الشمالية وروسيا وإيران. وهنا، ظهرت الخلافات الأساسية التي أدت إلى فضّ العلاقة مع ترامب، خصوصاً في ظلّ ميل بولتون إلى المواجهة العسكرية، وتفضيل ترامب عقد الاتفاقات. وقد بدا ذلك جلياً عندما قام بولتون بـ«حملة اللحظات الأخيرة» من أجل ردع الرئيس عن توقيع اتفاق سلام في كامب ديفيد مع قادة حركة «طالبان». صحيح أن بولتون فاز في هذه المعركة السياسية بدفع ترامب إلى إلغاء الاجتماع وتعليق التفاوض، إلا أنه خسر الحرب الكبرى. فقد ألقى مساعدو ترامب، الذين دعموا المفاوضات، باللوم على المستشار في ما يتعلق بـ«التسريبات عن معارضته للاتفاق». فيما نشر خصومه معلومات عن أنه استُبعِد من الاجتماعات. حتى إن جون هادسون قال في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، أمس، إن المفاوض الأميركي، زلماي خليل زاد، منع بولتون من الحصول على نسخة من الاتفاق مع «طالبان»، مشترطاً عليه الاطّلاع عليه بحضوره.
كلا الرجلان قوميان متشددان حريصان على تمكين اليمين الإسرائيلي
في ما يتعلق بكوريا الشمالية، لطالما برزت عدائية بولتون في مقاربته لهذا الملف منذ عهد جورج بوش الابن، حين رفع هذا الأخير بعض العقوبات عنها في عام 2008. يومها، بدا بولتون وكأنه يتعرّض لأزمة قلبية. وقد تكرّر ذلك عندما خطا ترامب باتجاه كوريا الشمالية من أجل مصافحة كيم جونغ أون، وعندما تغاضى عن التجارب الصاروخية الأخيرة التي أجرتها بيونغ يانغ. آنذاك، أعرب بولتون عن غضبه، معتبراً أن الولايات المتحدة تقدّم تنازلات في إطار مساعيها إلى تجميد كوريا الشمالية نشاطاتها النووية. أما أبرز المسائل الخلافية بين بولتون وترامب، فهي إيران. طوال سنوات سبقت شغله منصب مستشار الأمن القومي لترامب، دعا بولتون إلى القيام بعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. لاحقاً، تشارك مع ترامب نية الانسحاب من الاتفاق النووي، ولكن يبدو أنه لم يقدّم الحلول التي يريدها الرئيس لما بعد هذه المرحلة، حتى ولو تشاركا أيضاً الرغبة في ممارسة سياسة الضغوط القصوى. فقد بدا ترامب أخيراً ميالاً إلى اعتماد مقاربة دبلوماسية تجاه إيران، مبدياً رغبته في لقاء الرئيس حسن روحاني، بل وصل الأمر به إلى حدّ إعلان استعداده لتخفيف العقوبات عن إيران لتسهيل اللقاء، وهو السبب المباشر الذي كان وراء استقالة بولتون، بحسب ما ذكرت «بلومبرغ».
من بين الملفات محلّ الخلاف أيضاً، فنزويلا، التي كان بولتون من الداعين إلى القيام بعمل عسكري ضدها من أجل إجبار الرئيس نيكولاس مادورو على مغادرة السلطة. لكن مع مرور الوقت، بات ترامب يتساءل عن جدوى استراتيجية بلاده هناك، بينما كان بولتون لا يزال يدفع باتجاه المزيد من الضغوط، حتى إنه قال في آب/ أغسطس الماضي إنه «حان الوقت من أجل القيام بعمل ما». ولم يملّ بولتون من المحاولة، فاتجه أخيراً إلى الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي. وفي زيارة لأوكرانيا، وعد بتقديم دعم إلى الحكومة، إلا أن البيت الأبيض لم يلبّ هذا الوعد، حتى إنه أخّر رزمة مساعدات كان يجب أن تُرسل إلى الحكومة الأوكرانية.
لائحة طويلة من «المطرودين»
يشي النمط السائد في الولايات المتحدة منذ نحو ثلاثة أعوام بأن لا أحد غير معرّض للإقالة أو الطرد في عهد رئيس، غالباً ما كانت مقارباته الزئبقية التي تفتقر إلى الصبر ويحرّكها الارتجال تأتي بنتائج عكسية، بغضّ النظر عمّن يعمل معه. فالسابقون في هذا المجال يمثّلون مصداقاً حيّاً على أن أيّ شخص يمكن أن يلحق بهم إلى خارج البيت الأبيض، في أيّ لحظة، أو كما تقول ميشيل غولدبرغ في صحيفة «ذي نيويورك تايمز»، فإن «الكثير من الناس الذين يتورطون مع هذا الرئيس ينتهي أمرهم خارج الإدارة الأميركية مُحرجين، أو في بعض الحالات متهمين». مثال على ذلك، ريكس تيلرسون الذي طالما وُصف بأنه أحد عمالقة التجارة، والذي سيُعرف بعد عمله مع ترامب بسجلّه القصير وغير الفعال أثناء توليه منصب وزير الخارجية. أما محامي ترامب السابق مايكل كوهين، ومدير حملته السابق بول مانافورت، فهما الآن في السجن.
12 مرشحاً لخلافة بولتون
أكدت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مساء أمس، أن لديه خمسة لخلافة جون بولتون، بعدما
أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أسماء 12 مرشحاً محتملاً لمنصب مستشار الأمن القومي، وهم:
ــ براين هوك، المبعوث الخاص للولايات المتحدة في شأن إيران، ومستشار السياسة الرئيس لوزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يحظى بدعم جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره.
ــ ريكي وادل، اللواء في احتياط الجيش الأميركي، الذي عمل لمدة عام نائباً لمستشار ترامب للأمن القومي. وغادر وادل الإدارة العام الماضي، وكان قريباً من رئيس أركان البيت الأبيض السابق جون كيلي.
ــ ستيف بيغون، المبعوث الأميركي الخاص إلى كوريا الشمالية.
ــ روب بلير، عُيِّن مستشار الأمن القومي لرئيس الأركان بالإنابة ميك مولفاني، وقد سمح تعيينه لمولفاني بأن يكون له دور في قضايا الأمن القومي من دون الاضطرار إلى الذهاب إلى بولتون.
ــ ريتشارد غرينيل، سفير الولايات المتحدة في ألمانيا.
ــ بيتي هوكسترا، السفير الأميركي في هولندا.
ــ كيث كيلوغ، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس مايك بينس. وهو جنرال متقاعد من الجيش، عمل سابقاً في مجلس الأمن القومي في عهد ترامب، في حقبة المستشار السابق إتش. آر. ماكماستر.
ــ دوغلاس ماكغريغور، العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي.
ــ جاك كين، جنرال متقاعد قدّم المشورة إلى ترامب بشكل غير رسمي في شأن مسائل الأمن القومي، بما في ذلك المفاوضات مع حركة «طالبان».
ــ فريد فليتز، رئيس سابق لفريق موظفي مجلس الأمن القومي في عهد بولتون.
ــ اللفتنانت جنرال هربرت رايموند مكماستر، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي قبل بولتون، وأُطيح في عام 2018.
ــ تشارلز كوبرمان (68 عاماً)، القائم بأعمال مستشار الأمن القومي.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/09/12