هل تتجنب السعودية ضربة أخرى قد تصفر عداد أرامكو؟ ولماذا عليها أن تبحث عن مخارج من الحرب وليس مكان انطلاق المسيّرات اليمنية؟
طالب الحسني
الخطوط الحمراء لم تعد موجودة في قائمة الأهداف التي رصدها أنصار الله الحوثيين وحلفاؤهم في السعودية، وادق دليل على ذلك الهجمات الأخيرة التي استهدفت منشئات النفط شرق المملكة، ابقيق وهجرة خريص، واستفاق العالم على أزمة اقتصادية لاتزال تتتصاعد بشكل مطرد مع ارتقاع أسعار الوقود، وبحسب خبراء فإن البرميل قد يصل إلى 100 إن لم تجاوز ذلك بمراحل.
السعودية والتحالف الذي تقوده هي أول من كسر هذه الخطوط بحربها العدوانية المجنونة على اليمن على مدى الـ5 السنوات الماضية، فغاراتها بحسب احصائيات رسمية وشبه دقيقة قد تصل إلى ربع مليون غارة، استهدفت كل قطاعات الدولة اليمنية دون استثناء وجعلت هذا البلد الذي كان يعيش تحت خط الفقر يواجه أسوء أزمة إنسانية في الوقت الحالي .
مرة عاشرة وربما المئة نقول أن تقديرات السعودية ” لخصومها ” سيئة وسيئة جدا ، وأسوء من ذلك مخابراتها ومن كانت تعتمد عليهم في المعلومات ، والتقييم ، والغريب أنها لا تزال تسلك هذا الطريق وتبحث في أماكن اخرى عن مكان انطلاق الطائرات المسيرة العشر التي أطاحت بنصف انتاج السعودية من النفط والغاز وتسببت في إخراج معامل الإنتاج والتكرير والمعالجة في هاتين المنشأتين عن الخدمة ربما لأسابيع وفق خبراء نفط ، وربما أيضا لعدة أشهر .
في اول مقابلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع داوود الشريان ، في 3/5/2017 ، أي بعد عامين على انطلاق ” عاصفة الحزم ” قال بالحرف ، الوقت لصالحنا ، أي لصالح الرياض ونحن في فسحة ، بينما الطرف الآخر ، ويقصد أنصار الله وتحالفهم في انهيار مستمر ، بسبب العمليات العسكرية والحصار . لقد تاكدنا من تصريحاته هذه أن تقييمه خاطئ ، أو أن من يعملون معه مضللون وينقلون له ما يريد وليس ما يحصل ، وكتبنا وفي هذه الصحيفة تحديدا (رأي اليوم ) أن الوقت لا يلعب لصالح السعودية بل العكس تماما ، لأننا ندرك ما يجري وعن قرب أولا ولمعرفتنا بقيادة أنصارالله الحوثيين طوال العقدين الماضيين ثانيا ، ولقرائتنا لليمن وطبيعة حروبها وأهلها ثالثا ولجغرافيتها الصعبة والمتغيرات السياسية والعسكرية التي طرأت منذ 2004 وصولا إلى 2014 مرورا بـ2011 وأحداثها ، والبنية التي تشكلت بعدها رابعا .
هل يصفر الحوثيون عداد النفط السعودي ويستهدفون منشئات أرامكو التي لا تزال تعمل ؟! ولماذا نعتقد أن ذلك غير مستبعد؟
في الهجوم الأخير على ابقيق وخريص، وقف غالبية المحليين والخبراء والمتابعين وبصرف النظر عن توجهاتهم وقناعاتهم ، يشككون في مسئلة ـ إن كان اليمنيون فعلا قد وصلوا إلى هذا المستوى من القدرة العسكرية التصنيعية، والخبرة العالية في تصويب وتوجيه ضربة نوعية مثل هذه، وهو تشكيك في غير محله وزمانه ومكانه أيضا ، فبمجرد مراجعة بسيطة للهجمات التي شنتها اليمن وبالطائرات المسيرة نفسها، نجد التالي:
– اولا: الحصول على تقنية التصنيع لهذا النوع من الطائرات المسيرة ، وهذا الأمر ليس معجزة، إذ أن دول غير معروفة بقدراتها العسكرية تصنع محليا هذه الطائرات ، بل حركات مقاومة كحزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين ، صنعت وطورت واستخدمت هذه التقنية العسكرية غير المكلفة.
– ثانيا: ليس هناك أي مانع من الإستفادة من تجربة الآخرين وخبرتهم ، وفي ضل استمرار العدوان الذي تقوده السعودية وبدعم معلن من الولايات المتحدة الأمريكية.
– ثالثا: ربما يغيب على الكثيرين ولا باس أن نذكرهم أن لدى الجيش اليمني خبراء واكاديميين عسكريين تلقوا تعليما جيدا في التصنيع العسكري خلال العقود الماضية ، وأن كانوا لم يمارسوا ذلك سابقا فبسبب الفيتو الأمريكي والسعودي الذي كان يطوق النظام السابق ، هولاء حرروا من هذه القيود.
– رابعا: لقد جربت الطائرات المسيرة اليمنية ، وضربت أهداف حيوية ومطارات في العمق السعودي، بل ومنشئات تابعة لأرامكو ومن بينها مصفاتي العفيف والدوادمي وانابيب ومحطة ضخ النفط على بعد 400 كيلو متر غرب العاصمة الرياض ، وهي مسافة تقارب الـ 1000 كيو من اليمن .
– خامسا: لقد أصبح من الواضح أن السعودية أخفقت لمرات عدة في التصدي لهذا النوع من الهجوم ، وأن الدفاعات الجوية الأمريكية التي تمتلكها ” عاجزة ” وهي فضيحة مزدوجة للسعودية وللسلاح الأمريكي.
فإذن لماذا جرى استغراب أن تكون هذه الضربات الأخيرة قد وجهت من اليمن ووضع علامات استفهام أمام ذلك !
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد حركة أنصار الله اطلق تحذيرات متكررة وفي مناسبات متباعدة ، بأن على السعودية والإمارات أن تستعدان لضربات نوعية وقاسية ، بل وحدد أرامكو ـ في حال لم يتوقفوا عن العدوان على اليمن ، وها هو يفي بوعده تماما وبالحرف الواحد ، ولم يكن تجاهل تلك التحذيرات لا يعني سوى أن الرياض وأبوظبي وقيادة البلدين ، يعيشون عزلة عن الواقع ، وبالتالي فإن حصول هجوم آخر يستهدف ما تبقى من منشئات وآبار نفطية وتصفير عداد صادرات النفط السعودية واردة ، ولكن في حالة واحدة ، وهي أن تقوم الرياض بالتصعيد انتقاما للضربة الأولى ، فهل ستقوم بذلك؟
الواضح أن الهروب واتهام إيران سعوديا وأمريكيا واستباق التحقيقات التي تقول الرياض أنها بصددها ودعت فريق دولي لمساعدتها، هو اتجاه نحو تجميد أي تصعيد في الوقت الحالي والتكيف مع الازمة المالية والمعنوية والإرباك التي تعيشه السعودية ، فالتصعيد سيتحول إلى تصعيد متبادل وفي ظروف غير مواتية سعوديا، ماليا وعسكريا.
الأمر الآخر والأهم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى ليست في وارد الدخول في تصعيد، لا ضد إيران ولا ضد اليمن ، فالانتخابات وفوز ترامب لولاية ثانية أهم لديه من السعودية ، والتصريحات الصقورية التي تأتي من بعض المسؤولين في البيت الأبيض تدخل ضمن مسلسل بيع الكلام، وبالتالي يكون أنصار الله الحوثيين قد تفننوا واختاروا وقتا مناسبا.
مستقبلا : هناك طريقا واحدا يجب أن تسلكها السعودية وتتجنب مزيدا من الحرائق في البلدين الجارين بالضرورة، فقط أوقفوا حربكم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/09/18