خطة «مواجهة إيران»: يوم حلم العبد بأن يشارك سيّده في حكم العالم
خليل كوثراني
يرسم فريق الحكم في الرياض «خريطة طريق» لتحقيق ستة أهداف استراتيجية (أ ف ب )
ليس سرّاً أن ما يجمع السعودية ودونالد ترامب هو صفقة كبرى تترجم أجندات سياسية وعشرات مليارات الدولارات. إلا أن وثائق سرية مقرصنة حصلت عليها «الأخبار» تساعد على رسم طبيعة العلاقة وأسرارها وفهم مدى توازنها ونجاحها. إنه مشروع حكّام المملكة الجدد للارتباط بواشنطن لقرن آخر من الزمن مبني على برنامج شراكة تفصيلي يحمل عنوان «إطار الشراكة الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين»، أبرز بنوده إسقاط إيران. ببساطة، تجيب الوثائق عن سؤال: ما هي هذه الصفقة؟
مذ تسلم آل سلمان العرش مطلع عام 2015، تخوض المملكة العربية السعودية تحولات كبرى في غير قطاع؛ في الثقافة والاقتصاد والسياسة الخارجية والدين والمجتمع والعسكر. الثابت وسط كل متغير، أمر واحد: الولايات المتحدة الأميركية، مفتاح فهم ما جرى ويجري في الجزيرة العربية.
«الأخبار» تنشر على حلقات، دفعة جديدة من «السعودية ليكس». وثيقة ممهورة بعبارة «سرّي للغاية وغير قابل للتداول»، تعود إلى عام 2017، قبيل سفر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، وعقب الزيارة السعوديّة الشهيرة لدونالد ترامب الواصل حديثاً إلى البيت الأبيض. ينظر السعوديون الى ترامب بوصفه «الفرصة» لترميم ما أفسدته ولايتا باراك أوباما، إضافة إلى أسباب موضوعية أخرى كتراجع مركزية النفط في العلاقات.
تشكّل فصول الخطّة المقرصنة رسماً لهندسة السياسة السعودية الراهنة والمقبلة، الداخلية والخارجية… ورحلة في عقل حكّام المملكة، وإحاطة بالمنظار الذي يتطلّع من قصور جدة والرياض إلى واشنطن والعلاقات معها. لكن أهميتها تنبع من كونها تفصّل برنامج عمل تطبيقياً تحت مسمى «ملخص تنفيذي». ويمكن أن نتلمّس ترجمته على الأرض في جردة السنوات الثلاث الماضية، وتشريح الراهن من عقد الأزمات الإقليمية.
تحت عنوان «إطار الشراكة الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية»، يقدّم الملك سلمان بن عبد العزيز رؤية في سبيل «تعميق التعاون الاستراتيجي المشترك، والتوسع به إلى أفق جديد». وذلك على المستويات: السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، لتثبيت المملكة كـ«شريك موثوق» لدى الأميركيين، وبما يؤدي إلى «تحقيق البرنامج الانتخابي للرئيس ترامب». يرسم فريق الحكم في الرياض «خريطة طريق» لتحقيق ستة أهداف استراتيجية من شأنها إعادة صياغة العلاقات مع واشنطن لقرن من الزمن.
الأهداف الستة هي:
1- محاربة الإرهاب والفكر المتطرف.
2- مواجهة السياسات العدائية للنظام الإيراني في المنطقة.
3- تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
4- العمل معاً لإيجاد حلول لقضايا الشرق الأوسط.
5- أخذ التعاون العسكري والدفاعي إلى مستوى استراتيجي.
6- تقوية التعاون المميز بين الدولتين في مجالات الاقتصاد والاستثمار والطاقة.
ما تنشره «الأخبار» في هذا الفصل من «السعودية ليكس» هو ما ينصبّ على تنفيذ الهدف الثاني بين الأهداف الستة، أي «مواجهة السياسات العدائية للنظام الإيراني». سنرى أن الطموح السعودي، الذي يظهر على شكل وعود للبيت الأبيض، يصل إلى حد إسقاط النظام الإيراني وفق جدول زمني يمتد لـ 3 سنوات فقط، بموازاة مواجهة واسعة في لبنان، بهدف إضعاف حزب الله، على 4 محاور: سياسي، اقتصادي، إعلامي وعسكري.
لا يكتفي أصحاب القرار في المملكة بشعار «نقل المعركة إلى الداخل» الذي رفعه ولي العهد محمد بن سلمان. سنتعرّف في الوثائق الى «فريق عمل إيران» المشترك بين الرياض وواشنطن، وهدفه الإشراف على ضرب نظام طهران لتحقيق «توجيه عدم الاستقرار إلى داخل الحدود الإيرانية» في «الحد الأدنى»، كما يرد، وإيصال نظام بديل إلى الحكم في طهران «يخدم مصالح المملكة والولايات المتحدة» في «الحد الأقصى». لأجل ذلك، اقترحت الرياض مجموعتين من المبادرات، تبدأ أولاهما بـ«مواجهة عملاء إيران»؛
1- في اليمن: «إنهاء التمرّد الحوثي».
الهدف تثبيت المملكة كـ«شريك موثوق» بما يحقّق البرنامج الانتخابي لترامب
2- في لبنان: «مواجهة حزب الله» (تكشف الوثيقة آليات هذه المواجهة).
أما المجموعة الثانية من المبادرات، فتضم برامج عمل (بينها «مشروع نمرود» و«ملف العنكبوت») وترمي إلى: ضرب برنامح إيران النووي، عزل إيران، والتأثير عليها إعلامياً واقتصادياً وأمنياً.
تقول الوثائق إن الآليات المطروحة على الأميركيين تمثّل انطلاقة لسلسلة اجتماعات من قبل «نقاط اتصال» وفرق عمل مختارين، من لحظة لقاء ابن سلمان ــــ ترامب حين سيتم تأكيد «الشراكة الكاملة التي ثبتتها الزيارة التاريخية للرئيس ترامب للمملكة»، مبتدأ الرهان الكبير والحالم.
سيساعد الرجوع إلى فصول هذه الوثيقة على فهم أكبر لما يلي:
◄ تغيّر السياسة السعودية تجاه لبنان وأسباب الحاجة إلى توتير الساحة اللبنانية في بعض المحطات.
◄ ذهاب الرياض بعيداً في عداء إيران، وصولاً إلى العمل لإسقاط النظام هناك، كرابط إضافي يمتّن العلاقة بواشنطن، مثله مثل مسعى «تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، وهنا استبدال لمركز الأزمات الإقليمية عبر نقله من الأراضي المحتلة إلى طهران.
◄ مركزية الارتباط بواشنطن لدى السعودية، أهميته، وحجم الرهان الكبير عليه.
◄ أزمة العلاقات السعودية الأميركية، ضعفها واهتزازها أحياناً. لجهة كونها بحاجة الى إعادة صياغة وتمتين كما يتضح. وأزمة عدم مبادلة الأميركيين عروض السعودية بأثمان مرْضية حتى الآن.
◄ أسباب وخلفيات التغيير الحاصل في المملكة، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، تحت مسمى «رؤية 2030».
◄ عمق التورّط في حرب اليمن ومراوحة الحملة العسكرية في دائرة الفشل والحاجة الماسة إلى انتصار هناك.
◄ خلفيات الكثير من سياسات الرياض الإقليمية والتي تسمح بتتبع مصير الرهانات السعودية ومحاكمتها اليوم على أساس نجاح مجهري أحياناً، والفشل في أحايين كثيرة.
◄ أما الأبرز، فهو استغلال «فرصة» دونالد ترامب، لتحقيق كل الأهداف، وإزالة كل أثر للسياسات التي قامت مع باراك أوباما، كونه بالنسبة إلى السعودية رمز الاتفاق النووي ودعم «ربيع الإخوان المسلمين» في العالم العربي.
تساعد الوثائق، أيضاً، على فهم طبيعة الدور السعودي في الحملة الأميركية ضد إيران، وتالياً حجم الخيبة من الرهان على الولايات المتحدة في حال لم تبادل واشنطن الرياض بعوائد لهذا «الاستثمار» في العلاقات، والمسيّل على شكل صفقات بليونية. فالوثائق تؤكد أيضاً، ما ليس سراً، أن «أوراق الاعتماد» المقدّمة للأميركيين جميعها هدفها الفوز بعلاقات راسخة، تشبه علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، وتؤمّن العرش السعودي ومركزية زعامة الرياض إقليمياً كشريك/ وكيل أول لواشنطن.
منارة العالم الإسلامي المعتدل
في الجزء الذي يقدّم خلفية لإطار «الشراكة»، سيظهر أن الرياض تبذل جهداً كبيراً لـ«إقناع» البيت الأبيض بأهميتها وانطباق مواصفات «الشريك الموثوق» عليها: «استثمار القوة السياسية في تحقيق السلام الدائم. الرياض المشتري الأكبر من شركات التسليح الأميركية. القدرة على دعم البرنامج الاقتصادي للإدارة الجديدة من خلال تعزيز استثمارات الصندوق السيادي. برنامج استثماري يصل إلى 50 مليار دولار خلال 10 سنوات. خلق أكثر من مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة. تحالف إسلامي عسكري من 40 دولة. السعوديّة تكون منارة العالم الإسلامي المعتدل وتمتلك الأدوات اللازمة لتغيير الفكر في المنطقة...».
وهذه قد تكون مناسبة لإعادة طرح السؤال الأصعب اليوم على الرياض: لماذا لا يردّد ترامب، في المقابل، العبارات «الاستراتيجية» هذه عن «الشراكة» بدلاً من الاكتفاء بعبارة: «مليارات... وظائف»؟ جردة السنوات الثلاث الماضية تكشف بوضوح أن سيد البيت الأبيض وافق على أغلب العرض السعودي الذي طار به ابن سلمان إلى واشنطن منتصف آذار 2017. وبالتالي يقفز أمامنا هنا سؤال ثانٍ: هل وافق ترامب على قبض الثمن بلا تسليم كامل البضاعة؟
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/10/01