تفجيرات بلجيكا...
قاسم حسين
اختار تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) العاصمة البلجيكية، بروكسل، لتوجيه ضربةٍ موجعةٍ للقارة الأوروبية، حيث تمثل عاصمةً للاتحاد الأوروبي، ومقراً لحلف شمال الأطلسي، وتحتضن الكثير من المؤسسات المشتركة.
لم يكن في العمليات الانتحارية الأخيرة جديد، فهي عمليات تقليدية اعتاد التنظيم الإرهابي على تنفيذها في مختلف الدول التي يعبث بأرواح أهلها، من العراق وسورية واليمن والصومال، إلى مصر وتونس وليبيا ومالي ونيجيريا، وآخرها قبل أسبوعين في منتجعٍ بساحل العاج. الضحايا الذين يتساقطون يومياً لا قيمة لحياتهم من وجهة نظر المتطرفين الذين لا يعرفون حرمة لدماء أحد.
اليوم، تصحو أوروبا على واقعٍ إنساني مشوّهٍ شاركت في صنعه، بعد أن أخذت الصراعات في الشرق الأوسط تقذف بحممها باتجاه سواحل القارة العجوز.
هذه الجماعات الإرهابية نشأت وترعرعت برعاية أجهزة مخابرات دولية وإقليمية، من أجل تنفيذ أجندتها السرية في ضرب ومعاقبة الأنظمة والدول غير المرغوب فيها. لكن سرطان هذه الجماعات انتشر في كل مكان، وحتى تلك البلدان التي شرّعت أبوابها لهجرة الشباب بالمئات والآلاف، تحت سمعها وبصرها، للالتحاق بالقتال في سورية والعراق، أصبحت الآن هدفاً لعنف جبان يستهدف الأبرياء في كل مكان.
ولو كان نطاق عنف الجماعات الإرهابية وبطشها وجرائمها محصوراً في بلدان منكوبة، وكان العالم لا يكترث كثيراً بشلالات الدم المسفوك… لكن الآن اختلف الأمر، وذلك بعد أن فلت زمام الإرهاب الدموي وانتشر في بلدان تمثل عمقاً استراتيجيّاً لأوروبا.
إلى جانب ما تمثله بلجيكا من رمزية سياسية وعسكرية لأوروبا، فإنها تحتل المركز الأول بين الدول الأوروبية، في تواجد الإرهابيين الذين ارتحلوا إلى سورية والعراق، نسبةً لعدد السكان. وقد قدّر فريقٌ من باحثي الأمم المتحدة عدد من التحقوا بـ «داعش» من مواطنيها بأكثر من 500 شخص، قتل منهم 77، وعاد منهم 128 إلى بلجيكا، واعتقل 46 منهم من حركة «أنصار الشريعة في بلجيكا» وحدها وتمت محاكمتهم. هؤلاء ربما سافروا وعادوا تحت رقابة أجهزة عدة للمخابرات، لكن ما يثير الرعب تلك الأعداد التي لا يعرفونها، ممن يتم تجنيدهم عبر الإنترنت، من الجيل الثاني والثالث من أسر المهاجرين العرب والمسلمين، للالتحاق بالتنظيم الإرهابي أو تلقي أوامر القتل والتفجير في هذه الدولة الأوروبية أو تلك.
من هنا تتضح أسباب انتشار الذعر عبر القارة الأوروبية، حيث يعيدون نشر أرقام الملتحقين بركاب «الدولة الإسلامية»، من مواطنيهم، فمن بريطانيا هناك 600 إرهابي، وفرنسا 1200، وألمانيا 600، وبلجيكا 500، وهولندا والسويد بين 250 و300 إرهابي، حتى النرويج لديها 60 إرهابياً. أما الولايات المتحدة وأستراليا فقُدّر عددهم بـ100 إرهابي. وكل هذه الأرقام تقديرية وتبقى موضع شك وارتياب، أما الأرقام الحقيقية لمن جاءوا -أو جيء بهم- من 80 دولة لممارسة القتل والتفجير في سورية والعراق، فلا يعلمها إلا الله سبحانه، وبعض أجهزة الأمن والمخابرات ذات العلاقة.
إن ضحايا التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية، وفي فرنسا وبلجيكا، وفي الصومال ومالي وتونس... هم من المدنيين الأبرياء، وهو ما يعني عدم وجود أي حرمة لأي دماء، ومن يقوم بذلك ليس من الدين أو الإنسانية في شيء، ومن سكت أو ساند في الماضي سيصاب بالبلاء الذي كان من المفترض أن يصيب آخرين فقط. إن البلاء عندما ينتشر يعم الجميع، ولا سبيل إلا بمواجهته عبر جهود مجتمعة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/03/25