عُقم جامعة
د. عدنان منصور
تحركت نخوة الجامعة العربية وهمّتها بتوجيه دعوة عاجلة، لعقد اجتماع طارئ يوم السبت الماضي الموافق لـ 12 الحالي، بحثت خلاله في الوضع المتدهور في شمال سورية، لاتخاذ الإجراءات التي اعتادتها الجامعة المترهّلة، من قرارات وبيانات وإنشاءات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا تعبّر عن جدّية العمل العربي المشترك، بعد أن شبعت الشعوب العربية من الإدانات والاحتجاجات الفارغة، والتصريحات العقيمة، والشجب والاستنكار التافه، والمواقف الهشّة. قرارات ليس لها أي طعم أو فعل على الأرض، وإنما لذرِّ الرماد في العيون، وليقول الناس إن هناك جامعة وإن هناك قرارات واهتماماً بالقضايا العربية، دون أن ننسى أن الجامعة العربية مصادَرَة من بعض العرب الذين ألحقوا الدمار والخراب بسورية على مدى سنوات وحتى اليوم، جراء قراراتهم المدمّرة بحقها وحق شعبها، والتي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم.
الجامعة العربية تريد بحث الوضع في سورية، نتيجة الغزو العثماني الجديد لأرض الشام، ناسية أنها أول مَن نسّق مع تركيا عام 2011 لضرب النظام وتفكيك الدولة السورية، وأنها وراء تشجيع ودفع ودعم العناصر المسلحة الإرهابية التي عبثت على مدار سنوات بأمن وسيادة واستقرار سورية، وأنها تحضن الجماعات السورية المعارضة المسلحة.
الجامعة العربية أداة لتنفيذ ما طُلِب منها بحق سورية رئيساً وجيشاً وشعباً. هل سمع مرة أمين عام الجامعة العربية السابق نبيل العربي، الذي وقف بكل حماس واندفاع مشبوه وراء بعض العرب في تبني القرارات المتهورة الظالمة بحق سورية؟!!! وهل سمع الأمين العام الحالي أبو الغيط ما صرّح به أحد مهندسي القرارات الظالمة المعيبة، والمتآمرين على سورية، عندما أعلن وفي أكثر من مناسبة إعلامية وبكل صراحة ووقاحة، أنه طُلب منهم التدخل في سورية، وأنهم أنفقوا حتى عام 2014 أكثر من 137 مليار دولار على المعارضة وسلاحها في سورية، وأنهم «تهاوشوا» على الطريدة وأنهم دفعوا عشرات ملايين الدولارات لضعاف النفوس والخونة للانشقاق عن الدولة السورية والجيش العربي السوري.
هذا هو دور الجامعة العربية المدمِّر التي أخرجت سورية من اجتماعاتها. هذا الدور، يكشف النقاب عن حقيقة دامغة، حول ما تقوم به الجامعة تلبية للقابضين على قراراتها وتوجهاتها والمتحكمين بمسارها، والذي يؤدي في نهاية الأمر إلى تورطها، وانغماسها، وإقحام نفسها في الأحداث السورية والشأن السوري العام.
كيف يمكن لجامعة عربية أن تدعو إلى اجتماع طارئ وصاحب المصلحة خارج الجامعة؟! بأي منطق اجتمعت الجامعة العربية دون سورية لبحث موضوع خطير لا يهدّد أمن سورية وسيادتها فقط، وإنما يهدد أمن المنطقة كلها ووحدة أراضيها؟
هل لدى الأمين العام أبو الغيط الشجاعة الكاملة للعمل على إعادة سورية إلى الجامعة، أم أنه كغيره ممن سبقه أسير إرادة دولتين، تجعله لا يجرؤ على قول الحقيقة، ويطالب بعودة سورية؟!! وإن كان لا يجرؤ – وهو لن يجرؤ – فليقل الحقيقة كاملة، حتى لا يكون شاهد زور على جامعة، قراراتها مصادرَة مسبقاً، والحل والربط فيها يهبط عليها دون تحفظ أو اعتراض، تستخفّ بمواقف باقي الأطراف، وتكبّل آراءهم وتكم أفواههم وتلجم اعتراضهم.
سورية لم تكن تنتظر من الجامعة العربية ما يفيدها ويخدمها، وهي التي خبِرت الجامعة بكل تفاصيلها ودهاليزها، وقراراتها المهينة بحقها، والتي تشكل وصمة عار في جبين «العمل العربي المشترك» – إن كان هناك من عمل عربي مشترك – بعد أن فضح أحد عرّابي قراراتها على الملأ، المؤامرة الخبيثة المجرمة التي دُبّرت بحقها.
الجامعة العربية التي تثبت عجزها وفشلها، وهزالة قراراتها حيال قضايا عربية مصيرية، تتعلق بالأمة منذ عام 1948، لم تكن في اجتماعها الطارئ – وبكل تأكيد – أفضل حالاً وهي في مواجهة العدوان التركي على سورية.
إن من عَمِلَ على إسقاط سورية ودورها ومكانتها ورسالتها وتفتيت نسيجها الوطني، لن يعمل على الحفاظ على سيادتها ووحدة أرضها.. وبالتالي لا يمكنه اتخاذ القرارات الفاعلة بحق الدولة التركية وهو شريك متحالف متواطئ معها بالكامل، للإطاحة بسورية دولةً ونظاماً ورئيساً.
فأي موقف عربي قومي يليق بالأمة وشعوبها وكرامتها وقيمها، يمكن أن تتخذه الجامعة العربية المصابة بالعجز الدائم حيال العدوان التركي، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً وتجارياً وسياحياً؟! هل لديها الشجاعة الكاملة والقرار الحر، والمسؤولية الدولية، في اتخاذ إجراءات رادعة اقتصادية وتجارية ومالية وسياحية على الأقل، وهذا أضعف الإيمان كما فعلت بحق سورية عام 2012؟
وهكذا الاجتماع الطارئ أُضيف إلى اجتماعات عديدة طارئة سبق للجامعة العربية أن دعت إليها وفي مناسبات كثيرة، ليبقى العدّاد بعد ذلك يسجل الصورة ومحاضر المجلس والمشهد الفولكلوري والأرقام والتواريخ، ما يُبقي بعده الجامعة على هامش الحدث والتاريخ والقرار الشجاع.؟!!! يا ليت الجامعة العربية تستمد صدقيتها وحضورها وقراراتها ودورها من ثقة شعوبها وآمالها، بدلاً من أن تكون مصادَرة من قِبَل بعض المغامرين القابضين بكل قوة عليها. تقدم أوراق اعتمادها لديهم مع كل اجتماع طارئ لها. حتى إذا ما أرادت أن تعرف مدى آمال وثقة الشعوب العربية بها وبدورها وعملها وصدقيتها، فما عليها إلا أن تجري استطلاعاً واسعاً عند الشعوب العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، وعندها ستجد عند جهينة الجواب اليقين.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/10/15