هل يخرج الأميركيون من سورية؟
د. وفيق إبراهيم
تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول استعداد الجيش الأميركي لمغادرة الشمال والشرق السوريين بحاجة للمزيد من التدقيق. فهذه ليست المرة الاولى التي يعلن فيها سحب قواته من تلك المناطق مكتفياً بسحب عشرات من الجنود ليتبين آنفاً انه أعاد بضع مئات مع أسلحة اكثر حداثة.
لكن الاكتفاء بمراقبة الحركة العسكرية الأميركية في شمالي سورية وشرقها قد يكون خادعاً في بعض الاوقات فكيف يمكن تفسير دعوة أميركية صريحة دعا فيها ترامب تركيا لتنفيذ العملية الامنية الكبيرة للقضاء على الارهاب في الشرق والشمال، فيما يقول في تغريدات سابقة إن قواته في هذه المناطق قضت على الارهاب بالتعاون مع قوات قسد الكردية.
فلماذا دعا اذاً الجيش التركي للقضاء على إرهاب كان يزعم دائماً أنه قضى عليه؟
وكيف يطلب بعد يوم واحد من العملية العدوانية التركية على سورية أن تتوقف ذاهباً الى تحذيرها من إطلاق سراح إرهابيي داعش الموجودين، كما يقول في سجون قسد؟
يدفع هذا التبديل السريع في الآراء الى واحد من استنتاجين: إما إن ترامب خفيف في السياسة وغير محترف، بشكل لا يستشير فيه مسبقاً آراء دوائره السياسية والعسكرية وإما ان الموضوع محاولة أميركية لاستبدال آلية كردية لم تعد تتلاءم مع مستويات عناصر الأزمة في الشمال ويريد استبدالها بآلية تركية قوية يزعزع لها أولاً علاقاتها بالروس وتخدم بالنهاية اغراض بلاده في هذه المناطق.
واذا كانت تركيا تريد القضاء على المشروع الكردي، فهذا لا يؤذي الأميركيين الذين ما اعتادوا الوفاء لحليف لهم على مدار التاريخ شأن كل القوى الفرنسية والبريطانية في تعاملاتها مع القوى المحلية الصغيرة.
وإذا أراد الأتراك دوراً سياسياً في سورية. فهذا يخدم أيضاً الأميركيين الباحثين عن وسائل التمديد للازمة السورية عبر تعقيد الأوضاع في الشمال والشرق.
فهل يكتفي الأميركيون بالدور التركي لإرجاء أي حل للازمة السورية؟
الأميركيون واثقون بأن نجاحهم في عرقلة الحلول السورية، يؤدي تلقائياً الى انسداد في حركة الحلول على مستوى الشرق من اليمين الى إيران. فالعراق وصولاً الى سورية لأنهم مدركون اهمية سورية الاقليمية ومدى تأثيرها على محورها وارتباط حلول الازمات بدمشق.
كانت هذه الامور من الاسباب التي شجعت الأميركيين على خلط المزيد من الأوراق في الشرق والشمال السوريين. فيبدو الهدف الأميركي إيجاد عشرات القوى المتنافسة في بقعة جغرافية سورية واحدة تفضلُ عدم التقاتل للمحافظة على وجودها.
فتجد نفسها مضطرة الى تطبيق تفاهمات غير مكتوبة بعدم الاعتداء. وهذا من شأنه تمديد الأزمة عقداً جديداً وربما أكثر.
لكن النفاق الأميركي لا يقف عند هذا الحد. فإلى جانب زجه بالترك والأوروبيين والكرد وقوات أميركية، ضد الجيش العربي السوري صاحب السيادة والأرض، اخترع الأميركيون اهدافاً خاصة بهم لم يعلنوا عنها لكنهم يسعون اليها.
فإلى جانب الزجّ بالترك في آتون الشرق والشمال، يعمل الأميركيون على البقاء في اربع قواعد في شرقي الفرات والجنوب لتحقيق هدفين مركزين بالنسبة للسياسة الأميركية في الشرق وليس فقط في سورية، الاول منع إيران من التقدم باتجاه دير الزور والسيطرة على أربع قواعد عسكرية هي كونيكو والعمر في ريف دير الزور، والشدادي في الحسكة وقاعدة التنف في الجنوب المتموضعة بين الحدود الأردنية العراقية والسورية.
إن مثل هذه التموضعات مع الانتشار العسكري التركي عند خط عمق قدره ثلاثون كيلومتراً وطول يزيد عن الأربعمئة كيلومتر يتيح للأميركيين تحقيق اهدافهم.
فيصبح لدى الأميركيين قواعد عسكرية خاصة بهم وجيش تركي وإرهاب داعشي تعمل المخابرات الأميركية على اعادة تأهيله لإعادة الزج به في ساحات سورية والعراق.
لذلك يتمسك الأميركيون بوجودهم قرب دير الزور ولا يريدون مغادرتها. وكذلك في قواعدهم المحاذية لثروات سورية النفطية ومياهها وحقولها الزراعية الواسعة، وذلك في محاولة لحصر العبور من خلال معبر القائم البوكمال على الأفراد والخفيف من السلع بما لا يؤدي الى نمو حركة اقتصادية واسعة على مستوى اقتصادي في سورية والعراق.
هذا ما يريده الأميركيون، ولكنه ليس قدراً مبرماً، والدليل أن الأتراك رفضوا ضغوطاً أميركية تريد إيقافهم عند خط عمق قدره عشرة كيلومترات، وعلاقاتهم بجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي تجتاز أسوأ مراحلها، هذا بالإضافة الى ان الروس يعملون على فرض اتفاق أضنة الذي يسمح للاتراك منذ 1989 بالتقدم في العمق السوري بمعدل يراوح بين الخمسة كيلومترات والعشرة كحد أقصى.
هناك اذاً ضغوط دولية ضخمة تستهدف الأتراك وجهود روسية صلبة لتقليص دورهم ودفعهم للانسحاب إلى خطوط أضنة ومنطقة ادلب، لكن ما هو أكثر أهمية من هذه المحاولات هو تشكل حلف بين الجيش السوري والأكراد في «قسد» وأحزاب كردية أخرى يزيد عن الخمسين فريقاً.
هؤلاء قرروا دعم الجيش السوري في عملياته النظامية للدفاع عن الشرق والشمال مع التوجّه الى تشكيل ألوية للحرب الشعبية التي تستطيع زلزلة الارض تحت أقدام الغزاة الأتراك.
بذلك تستعيد سورية جغرافياً وسياسياً كامل قوى سورية باستثناء بعض الفلول الإرهابية من الاخوان المسلمين وهيئة تحرير الشام ومنشقين عسكريين لم يعُد لهم وزن عسكري مفيد ولا يُستعملون إلا لتغطية العدوان التركي على بلادهم.
إن موازنات القوى في الشرق والشمال السوريين ذاهبة نحو عودة هذه المناطق الى سورية وجيشها على قاعدة دحر الغزاة الأميركيين والترك، وضمن معادلة انتماء الكرد الى سورية ضمن الاعتراف بثقافتهم وخصوصيتهم الإدارية.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/10/17