حق سوريا القومي على أمتها
علي محمد فخرو
بعيدا عن مماحكات السياسة في المشهد العربي السوري، وتجنبا للانحياز أو التعاطف مع هذه الجهة أو تلك، يتطلب الأمر النظر بموضوعية تامة من جهة، وبالتزام مبدئي عروبي قومي من جهة ثانية. في هذا المشهد نحن أمام تناقضات غريبة تخفي نوايا سيئة، وخطط استخباراتية دولية استعمارية خارجية، وعبث عربي قل نظيره.
*التناقض الأول يتمثل في المفارقة التالية: تتواجد الجمهورية العربية السورية في كل المحافل والمؤسسات الدولية، حيث يجلس في المقاعد التي تحمل اسمها مندوبون رسميون عينتهم السلطة التنفيذية في الحكومة السورية الحالية. أما في الجامعة العربية فإن مقعد الجمهورية العربية السورية يبقى سنة بعد سنة خاليا بدعوى وجود جهات معارضة، مسنودة من قبل هذه الجهة العربية، أو الخارجية، وتلك، تدعي بأنها هي الأحق في الجلوس في ذلك المقعد. لو أننا قبلنا بهذا المنطق فكم مقعدا في الجامعة العربية يجب أن يبقى خاليا، بسبب وجود معارضات مسلحة، أو جماهير حاشدة تجوب الشوارع، وتنادي بسقوط هذا النظام أو ذاك؟ بل كم مقعدا في المنظمات الإقليمية والدولية، يجب أن يبقى خاليا بسبب وجود أشكال كثيرة من المعارضات السياسية أو العسكرية، التي تدعي أنها تمثل سلطات الحكم المتخيلة؟
*التناقض الثاني يتمثل في إبعاد دولة عربية كانت من مؤسسي الجامعة العربية، ومن بين أهم المكونات للكيان العربي الكبير، تاريخا وعطاء حضاريا غزيرا، وتضحيات هائلة لرد كل عدوان على أي جزء من الوطن العربي، وعلى الأخص العدوان الصهيوني، بينما يبقى آخرون، ممن كانت مساهماتهم التاريخية والحضارية والنضالية هامشية ومتواضعة إلى أبعد الحدود.
*التناقض الثالث، أن مجلس الجامعة سمح لنفسه بأن يناقش، وبصدق وحق، موضوع الاحتلال التركي للجزء الشمالي من سوريا العربية، باعتبار أن أرض سوريا هي جزء من الوطن العربي الكبير، بينما أحجم المجلس نفسه طيلة ثماني سنوات، عن شجب ومعارضة تصرفات تركيا التي أعطت لنفسها الحق في أن تصبح ممرا لدخول الجهاديين التكفيريين إلى أعماق سوريا، واحتلال ثلث أرضها، والاعتداء الطائفي على شتى مكوناتها الوطنية والدينية، وإحالة الكثير من مدنها وقراها إلى أرض يباب، وتشريد الملايين من العرب السوريين إلى الملاجئ والمنافي. فهل الاحتلال التركي أسوأ وأخطر من احتلال برابرة الشيشان وباكستان وأفغانستان والغرب الاستعماري وشتى بقاع العالم الكثيرة؟
لا يحتاج الشعب السوري ألاعيب وتوازنات القوى الدولية، وإنما يحتاج أن يشعر بانتمائه إلى أمته العربية ووطنه العربي
*التناقض الرابع هو بقاء مؤسسة الجامعة العربية شبه نائمة ومشلولة عبر الثماني سنوات الماضية، ووقوفها شبه متفرجة على مأساة الصراعات والمؤامرات، والتدخلات الخارجية في جمهورية سوريا العربية، وترك محاولات الوساطات وتقريب وجهات النظر، وطرح حلول سياسية معقولة للغير، بينما كانت هيئة الأمم ومضاربات مصالح الدول الكبرى وجنون بعض الدول العربية «تخيط وتبيط» في المشهد السوري. ألا يثير السكوت الطويل المطبق، وفي أحسن الحالات التفوه ببعض الكلمات المترددة الخائفة من هذه الجهة أو تلك، ألف سؤال وسؤال حول الرعشة الغاضبة الأخيرة للجامعة، التي ما زالت تقف حائرة مترددة أمام الأهمية القصوى لوجود مخرج قومي واقعي لرجوع الجمهورية العربية السورية إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية؟
لنؤكد بصورة قاطعة، وبلا خوف من بلادات الاتهامات الانتهازية، بأننا لا نبتغي من وراء إثارة هذه الأسئلة الانحياز لهذه الجهة أو تلك، أو لوم هذه الجهة أو تلك، فهذا سيأتي أوانه في المستقبل، وسيكون الشعب العربي السوري الشقيق أول من سيقوم بمهمة المحاسبة، وإنما نرمي إلى المساهمة في تنبيه مجلس الجامعة إلى أن ينتقل إلى مرحلة جديدة بالنسبة لهذا الموضوع، وأن يعطي أولوية قصوى لإخراج الملايين من شعب سوريا من جحيم الذل والدموع والعذابات التي يعيشها. من حق شعب سوريا، الذي ضحى في الماضي بالغالي والرخيص في سبيل مساعدة إخوته العرب في كل مكان، وإبان كل محنة تعرضوا لها، إعانته على الوصول إلى قيام حياة سياسية وحقوقية يرتضيها لنفسه، من دون أي تدخلات خارجية. إن شعب سوريا الذي دحر الاستعمار الفرنسي، وقاوم الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة، وأغنى الحياة الفكرية السياسية بعطاء فكري وثقافي قومي متميز، ورضي بشهامة وحميمية أن يشاركه في عيشه وكل خدماته المجتمعية ملايين الإخوة العرب من المشردين والمضطهدين، هذا الشعب، له الحق الأخلاقي والإنساني والقومي في أن تجند الجامعة العربية كل طاقات وإمكانيات دولها الأعضاء في حل مشاكله، التي تكالبت كل قوى الشر على تعقيدها وارتهانها في يد المتلاعبين الآخرين من غير العرب.
وأول ما يجب أن تقدم عليه الجامعة هو منع التدخلات النفعية العبثية، الممارسة من قبل بعض الجهات العربية، من الاستمرار، وذلك من أجل خدمة الأجندات الخارجية.
لا يحتاج شعب سوريا الشقيق إلى ألاعيب وتوازنات القوى الدولية، وإنما يحتاج إلى أن يشعر بأن انتماءه إلى أمته العربية ووطنه العربي هو الضمان الأهم لخروجه من المحنة التي يعيشها والتي سمحنا، نحن العرب، بما في ذلك جامعة الدول العربية، بأن تؤججها وتديرها وتهيمن على كل تفاصيلها، جهات خارجية حاقدة متآمرة، بينما وقفنا نتفرج ونتثائب.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2019/10/17