لن يسمعوكم أبداً ما لم تغيّروا لغتكم
هاني الفردان ..
نواب وشوريون ومحسوبون على أنهم حقوقيون، وغيرهم كثيرون، شنوا هجوماً على المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد بن الحسين الذي «فاجأهم» خلال كلمته التي ألقاها يوم الخميس (10 مارس/ آذار 2016)، ضمن أعمال الدورة الـ 31 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، عندما تحدّث عن الأوضاع الحقوقية في البحرين بشكل مقتضب وصريح وقوي.
زيد بن الحسين، كان واضحاً عندما قال إن «البحرين لاتزال بحاجة لإجراء إصلاحات عميقة، من أجل تحقيق مشاركة أكثر شمولية بكثير»، مشيراً إلى أنه «رغم التقدم الذي أحرزته البحرين، فإنها مستمرة في إسكات المعارضين السياسيين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، عن طريق الاعتقالات وسحب الجنسية والترحيل من البلاد».
قضايا حقوق الإنسان في البحرين شائكة ومعقدة، وجلّها لم تشهد حلولاً جذرية، بل بعضها تفاقم في السنوات الأخيرة، خصوصاً ما هو متعلق بإسقاط الجنسية والإبعاد عن البلاد.
المفوض السامي لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، مقررو الأمم المتحدة، حتى الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون، كلهم شخصيات ومؤسسات في نظر بعض البحرينيين «غير حياديين» ويتدخلون في شئون البحرين الداخلية، ولا يتمتعون بالمصداقية، ويعتمدون على معلومات مشبوهة ومغلوطة ومن طرف واحد، دون السماع للطرف الآخر.
سبق ذلك الهجوم على المفوض السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان، هجوم آخر عندما فتح الشوريون في جلستهم الأحد (7 فبراير/ شباط 2016)، النار على البرلمان الأوروبي، وهاجموه رفضاً لتبنّي الأخير قراراً يدعو السلطات المختصة في البحرين إلى إجراء تحقيق سريع ونزيه في جميع ادعاءات التعذيب ومحاكمة المتهمين بارتكاب التعذيب، وإلغاء جميع العقوبات التي بنيت على اعترافات تمَّ الحصول عليها تحت «ظروف مشبوهة».
فشل الهجوم الكلامي في تغيير قناعات منظمات دولية كثيرة، حتى أكد ذلك النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو في (أبريل/ نيسان 2014) عندما تحدث عن أداء الوفود الرسمية والبرلمانية في الخارج و»فشلها» في نقل الصورة «الحقيقية» لما يحدث في البحرين! ماذا قال فخرو في ذلك الوقت؟
باختصار شديد: «نحن مع الأسف الشديد، لم ننجح في إيصال حقيقة الأمر في البحرين إلى جميع الأطراف، سواءً كانت أطرافاً حكومية أو برلمانات أو مؤسسات مجتمع مدني»! و»نحن لدينا مشكلة في البحرين في التعامل مع التصريحات الدولية وما يبث في الخارج، ونحن نكلم أنفسنا، ولا نكلم الخارج، واللغة التي نستخدمها في الداخل لا تصلح للاستخدام في الخارج»! وقال أيضاً: «الخارج لا يتكلّم بلغة العاطفة، إنّما يتحدّث بلغة الأدلة والإقناع، ونحن لا نحسن هذه اللغة»!
هذه الحقائق قالها جمال فخرو (السبت 5 إبريل/ نيسان 2014) لصحيفة محلية، وهو يعكس حجم التباين الكبير بين لغة العالم المتقدم ولغة الداخل البحريني.
لغة الحقائق والأرقام، لغة الواقع، لغة ما يُرى بالعين وبالأدلة والقرائن، لا لغة التصريحات والكلام فقط هي وحدها من يصدقها العالم. فالعالم الحقوقي يراقب الأوضاع في أي مكان انطلاقا من القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يتضمن الإعلان العالمي والعهدين الدوليين والاتفاقيات الرئيسية الأخرى)، وينظر إلى الالتزامات الدولية التي أعلنت الحكومات عزمها الالتزام بها، ومن ثم يحدد وجهة نظره حول مجريات الأمور.
ولنأخذ مثلا مخالفة القانون الدولي في إسقاط جنسيات المواطنين، ولنرى كيف تحدث تقرير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (وهو تقرير مقبول رسميا) في متابعته لجلسات المحكمة للنظر في قضية أحد المسقطة عنهم الجنسية البحرينية (23 ديسمبر/ كانون الأول 2013) «تحفظ» جهاز قضايا الدولة من تمكين المدّعي من الحصول على نسخة القرار الصادر بإسقاط جنسيته، وهو ما يعد إخلالاً بمبادئ الحق في التقاضي.
جهات رسمية فطنت لكونها أسقطت جنسية بحرينيين وحوّلتهم بذلك إلى «عديمي جنسية»، إلى كونها خالفت القوانين المحلية، فإنها أيضاً خالفت القوانين الدولية في ذلك، ما جعلها تنكر وجود «عديمي جنسية» في البحرين، وذلك في ردّها على المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي أكّدت ذلك في تقريرها الأول. ولذلك اتجهت لإبعادهم عن البلاد!
سيكون أفضل للجميع لو تم تدريس القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولو تم تطبيق بنود العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية (لأنها جزء من قوانين البحرين بعد أن اعتمدهما البرلمان في 2006 و 2007)، وبعد ذلك مقارنة ما يحدث مع نصوص العهدين، وذلك قبل الهجوم على زيد بن رعد والمؤسسات الحقوقية العالمية.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/03/28