قراءة في عقل حزب الله كيف ينظر إلى الحراك اللبناني ويتجنب السقوط في الفخ
كمال خلف
في لبنان الذي يعيش أزمة سياسية واقتصادية خانقة أخذت بعدا اجتماعيا تمثل بخروج فئات واسعة من الشعب للاحتجاج على تردي الأوضاع وفساد النخبة السياسية الحاكمة ، يختلط المشهد بين شارع حمل مطالب محقة وانفجر غضبا من تجاهل السلطة لكافة أشكال المعاناة التي يعيشها اللبنانيون ، وبين قوى سياسية محلية أخذت الحراك الشعبي واجهة لتصفية حساباتها و تسويق شعاراتها ، وبين تدخلات خارجية لها حساباتها السياسية و تملك قدرة عالية في توجيه إستثمار وجع الناس لتحقيق أهداف سياسية ، وأول تلك الأهداف الضغط على حزب الله ، والنفخ على الغضب الشعبي لتحويل مطالب محاربة الفساد و إلغاء الضرائب و المطالب المعيشية الأخرى إلى المطالبة بنزع سلاح المقاومة ، وصناعة تناقض بين الجمهور والحزب لا يخدم إلا مصالح تلك الدول ، وعلى راسها إسرائيل والولايات المتحدة . ولكن كيف نظر حزب الله إلى الهبة الشعبية وكيف تعامل مع التطورات والتداعيات لها وكيف؟؟
نظر حزب الله إلى التحرك الشعبي اللبناني في إنطلاقته، على أنه تحرك شعبي محق و ايد الحزب هذا الحراك وتبنى كل مطالبه ، وخرجت التظاهرات في أيامها الأولى في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع . وخرجت بيئة الحزب ” الشيعية ” الى ساحات التظاهر وسط بيروت . وما من شك أن الحزب لديه آلية مراقبة دقيقة بدأت في الايام اللاحقة تعطي الحزب مؤشرات ومعلومات لالبس فيها عن ما كان يجري في دهاليز السياسية والأمن على هامش الحراك وفي عدد من العواصم . وهو ما دفع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله إلى تغيير لهجة خطابه في اطلالته الثانية خلال فترة الانتفاضة الشعبية .
امتلك حزب الله معلومات عن خلية في باريس تشكلت لإدارة صراع معه عبر استعمال الشارع ، وبدأ يلمس خطابات في بعض الساحات تصوب على الحزب ، رابطا بين هذا الخطاب وبين خلية باريس . وتجاوزا للغة الشتائم أو إطلاق شعارات تصوب على الأمين العام للحزب الذي لايشغل أي منصب حكومي وحزبه لم يتهم في أي ملف يخص الفساد ، وتجاوزا لشعارات تلطت بوجع الناس لتطالب بنزع سلاح حزب الله ، فإن الحزب انتبه إلى مسألة حساسة تتعلق بالدفع لإعطاء صلاحيات إستثنائية لرئيس الحكومة ، وهو ما ربطه الحزب مباشرة بملف النفط في البحر اللبناني ، واستنتج أن رئيس حكومة لديه صلاحية إستثنائية سيعني بالضرورة أن لديه أمكانية التوقيع ، ولن يكون هذا التوقيع لتحقيق اصلاحات بقدر ما سيكون حسم لملف مفاوضات النفط والغاز قبالة سواحل لبنان ، وشرعية سلاح الحزب وخاصة الشق المتعلق بالصواريخ الدقيقة . ولهذا يجهد الحزب لتجنب الوقوع في الفخ الأمريكي ، ومن هذا المنطلق أيضا ربما رفض الحزب حكومة تكنوقراط يختارها رئيس الحكومة دون رأي للقوى السياسية .
كذلك وقف حزب الله متحفظا على دعوات إجراء انتخابات نيابية مبكرة ، وقد يلام من البعض لأن هذا المطلب يمكن أن ينتج طبقة سياسية جديدة في مجال التشريع يختارها الشعب ويعاقب من أهمل القيام بمهامه النيابية خدمة للناس ، لكن ربما كان للحزب نظرة مغايرة لذلك ، ونعتقد أن حزب الله لديه خشية جدية من أن تكون تلك الدعوة تهدف إلى ضرب وخلق مشكلات وانقسامات وتناحر داخل البيئة الواحدة ، ويكون المقصود على وجه التحديد البيئة الحاضنة للمقاومة ، وهو على علم بالجهود التي بذلت خلال الأعوام الماضية من قبل الولايات المتحدة و شركائها لدراسة وتحليل وطرق التأثير في بيئة المقاومة في لبنان .
يملك بلا شك حزب الله ملفا متماسكا حول التمويلات التي وصلت إلى لبنان مع بدء الحراك ، وقسم منها ربما ذهب إلى محطات فضائية محلية ووسائل إعلام . ويعلم بشكل مفصل أن لعبة قطع الطرقات خاضتها الأحزاب الثلاثة ” القوات والمستقبل و الأشتراكي ” وليس الحراك الشعبي . وإن ارتفاع وتيرة قطع الطرقات كان مرتبط بالمفاوضات المحلية ، كلما تعقدت المساومات تنعكس مباشرة في الشارع على شكل قطع طرقات . وكلما وصلت أخبار سيئة إلى سعد الحريري خاصة ما كان ينقله المندوبون الأوربيون تقوم مجموعات تابعة له بقطع الطرقات .
وربما تفاجأ حزب الله بأن الرسائل والطلبات التي كانت تصل إليه بشكل غير مباشر من الأمريكيين ، كان يكررها الحريري على أنها مطالبه أو اقتراحاته هو دون أن يعلم ربما أن الحزب تلقها من الأمريكيين عبر قنوات غير مباشرة .
وفي المحصلة وافق الحزب على تسمية المهندس سمير الخطيب وبموافقة من الحريري، فلا يرغب الحزب ولا يفضل حكومة من لون واحد ، وطالما وافق على الحريري فإنه من نافل الفعل والقول أن يوافق على الخطيب .
نعتقد أن الحزب استبعد كليا من حساباته أن التظاهرات وقطع الطرقات مع أزمة اقتصادية سوف تتدحرج إلى حرب أهلية كما توقع وحذر البعض هو على يقين أن ذلك لن يحصل .
ولا نعتقد أن حزب الله في تقديراته يرى أن لبنان سوف يذهب إلى الانهيار الاقتصادي الكامل الموصفات ، وان كانت الحالة الاقتصادية وصلت إلى تردي خطير . ونعتقد أن حزب الله برغم كل هذه الملاحظات والمخاطر و الأزمات و التدخلات والمساومات لم يقطع مع الحراك الشعبي ولم يعاد التظاهرات ولم يغير رأيه في حق الناس في النزول إلى الشارع ، من أجل الدولة العادلة العصرية ، بل على العكس من ذلك . ونظن أن رموزا في الحراك الصادق تواصلوا مع الحزب ليكونوا جزءا من الحكومة المقبلة ، ويمثلوا رأي الشعب ، ونعتقد أن الحزب له مصلحة في أن يكون صوت الناس الصادق في أي حكومة مقبلة .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/12/07