في عراق اليوم والغد: المقاومة شرط لتجاوز «اللبننة»… ولإجلاء أميركا
د. عصام نعمان
أيّ عراق بعد جولتيْ الانتقام بين أميركا وإيران؟
الرئيس دونالد ترامب اعترف بأنه اتخذ شخصياً قرار الانتقام لأميركا بقتل الفريق قاسم سليماني المسؤول في زعمه عن قتل مئات الأميركيين والذي كان عازماً على نسف سفارات أميركية عدة في دول الإقليم.
المرشد الأعلى السيد علي خامنئي قال إنّ إيران سددت صفعة أولى لأميركا بضرب قاعدة عين الأسد انتقاماً للشهيد قاسم سليماني وللمئات غيره من الشهداء الذين قضوا في مقاومة الاستكبار الأميركي.
مَن ينتقم للشهيد القائد العراقي المقاوم أبو مهدي المهندس؟
رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي دعا برلمان العراق الى سنّ تشريع لإنهاء وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية. البرلمان استجاب للدعوة في جلسة طارئة قاطعها معظم النواب السنّة العرب والكرد.
لتزخيم قرار البرلمان، سارع قادة “الحشد الشعبي” الى الإعلان بأن المقاومة العراقية ستتولى مهمة إجلاء القواعد الأميركيّة انتقاماً للشهيد أبو مهدي المهندس.
بضغطٍ من الاوساط “الصديقة” للولايات المتحدة، انتقد وزير الخارجية العراقي إيران، وقبلها أميركا، لخرقهما سيادة العراق بعمليتين عسكريتين على أرضه.
تَدَخل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني بلسان ناطقٍ باسمه في خطبة الجمعة مندّداً بالمواجهة العسكرية بين أميركا وإيران على أرض العراق، ومؤكداً انها تنمّ عن تجاهلٍ صارخ لسيادة البلاد.
صحيح أن أكثرية العراقيين تجافي أميركا وتبتغي إجلاء قواعدها العسكرية عن بلاد الرافدين، إلاّ ان ذلك لا يخفّف من وطأة الشرذمة السياسية والاجتماعية التي تسود العراق وتساعد أميركا كما غيرها على تعميق التنافر بين “مكوّناته” السياسية والاجتماعية.
الأميركيون هم مَن اعتمدوا، بعد احتلالهم العراق العام 2003، مصطلح “المكوّنات” وكرّسوه من خلال دستورٍ ونظام سياسي فرضوه على البلاد يحاكي نظام المحاصصة الطائفية في لبنان. فرئيس الجمهورية حصة الكرد السنّة، ورئاسة مجلس النواب حصة العرب السنّة، ورئاسة مجلس الوزراء حصة العرب الشيعة، وثمة حصص محفوظة في مقاعد مجلس النواب للمسيحيين والازيديين وغيرهم.
“اللبننة” بما هي نظام التمايز الطائفي والمذهبي، واستثارة العصبية الطائفية لاستجلاب المصالح السياسية والاقتصادية وحمايتها هي ما ساد ويسود العراق بعد الاحتلال الأميركي، وهو السلاح الأمضى الذي تستخدمه واشنطن حاليّاً في حربها على قوى المقاومة العراقية وعلى إيران، وفي سعيها الدؤوب لتعميق الانقسام والشرذمة بين العراقيين.
قوى المقاومة العراقية جادة في كفاحها لإجلاء القواعد العسكرية الأميركية، وهي ستتلقى دعماً سياسياً ولوجستياً سخياً من إيران، لكنها لن تستطيع تحقيق نجاح محسوس في هذا المجال ما لم تتمكّن، بالتعاون مع القوى الوطنية الحيّة العابرة للملل والنحل و”المكوّنات” والمناطق والمشارب، من إشاعة مناخ وطني شامل وسلوكية وطنية واجتماعية راسخة.
في هذا السياق، ثمّة مقاربة وسلاح فإعلان لتجاوز حال “اللبننة” والشرذمة وتعطيل مناورات أميركا ومخططاتها التقسيمية. إنها المقاومة المدنية والميدانية ضد الولايات المتحدة ووجودها السياسي والعسكري في بلاد الرافدين. ففي موازاة العمل الوطني والسياسي لبناء جبهة وطنية ديمقراطية ناشطة في البلاد وفي مؤسسات الدولة، ولا سيما في مجلس النواب، تقتضي مباشرة مقاومة ميدانية يومية فاعلة ضد الوجود الأميركي، السياسي والعسكري، كما ضد شبكة السياسيين الفاسدين التي سطت على موارد البلاد واستولت على مئات مليارات الدولارات من عائدات النفط والأموال العامة، وعطّلت مشروعات التنمية، واحترفت إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية لتدويم سيطرتها على السلطة والموارد والمصالح.
الى ذلك، يقتضي أن تبادر القوى الوطنية والتقدمية، كما قوى المقاومة العراقية، الى تسريع وتيرة التعاون مع مثيلاتها في سورية ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة من أجل تحقيق ثلاثة اهداف رئيسة:
(أ) فتح المعابر والحدود فيما بينها لتعزيز التنقل والانتقال وتسويق السلع والخدمات واقامة المشاريع التنموية الثنائية والإقليمية.
(ب) إقامة تحالف سياسي وعسكري لمواجهة الهيمنة الأميركية والعدوان الصهيوني، وذلك بتوحيد وتفعيل جبهات المواجهة بين أطراف محور المقاومة جميعاً ضد “اسرائيل”، وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي مع الدول المتمايزة في علاقاتها عن الولايات المتحدة، ولا سيما الصين وروسيا.
(جـ) العمل الجاد لبناء سوق مشتركة ومن ثم صيغة اتحادية (فدرالية) ديمقراطية بين بلدان المشرق العربي المنخرطة في مقاومة ناشطة ضد الكيان الصهيوني.
كل ما تقدّم بيانه مطلوب وملحّ، إلاّ أن تحقيقه لا يتمّ بمجرد قرار يُتخذ في اجتماع او مؤتمر بل بانتهاج مسارٍ متكامل يشمل كل مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/01/13