التدخلات العسكرية الخارجية لم تحسم أزمة البحرين
د. سعيد الشهابي
دروس بليغة تفرض نفسها على كل عاقل في هذه الظروف التي ينتشر فيها فيروس كورونا، سيكتب عنها الكثيرون الآن ولاحقا. لكن ثمة درسا ذا اهمية لشعب البحرين، يتصل بالتدخل العسكري السعودي ـ الاماراتي في مثل هذه الايام قبل تسعة اعوام لهدف واحد ليس فيه نبل او قيمة انسانية: مساعدة نظام استبدادي لقمع ثورة شعبه.
العبرة من هذه المعاناة الانسانية الحالية ان قوة هؤلاء نسبية ومحدودة وغير ذات قيمة امام القدرة الالهية. وتؤكد هذا المفهوم الوقائع اليومية والآيات القرآنية ومنها: «وظنوا انهم مانعتهم حصونهم فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب». عندما حدث ذلك التدخل في مساء الرابع عشر من آذار/مارس 2011، اي بعد شهر واحد من اندلاع ثورة 14 شباط/فبراير، اعتقد الحاكم انه اصبح محصنا امام التحديات، وان بامكانه القيام باي عمل لكسر شوكة الشعب، فكانت اولى مغامراته الهجوم على دوار اللؤلؤة في 17 آذار/مارس وفض التجمع الشعبي بالقوة وقتل عدد من المحتجين. كان دوار اللؤلؤة ذو الاعمدة الستة التي ترمز لدول مجلس التعاون، قد اصبح مركزا للتجمع الذي شارك فيه كافة اطياف المجتمع البحراني بشيعته وسنته. بينما كان بامكان التحالف السعودي ـ الاماراتي ان يتوسط بين الطرفين للتوصل لحل الازمة. ولكن الشعور بالعظمة والقوة الوهمية حال دون ذلك. هذا الشعور هو الذي دفع هذا التحالف لتكرار تدخلاته في بلدان اخرى لاحقا. فتدخل لدعم عسكر مصر والاطاحة بالرئيس المنتخب المرحوم الدكتور محمد مرسي، ثم في ليبيا بدعم الجنرال حفتر وتحويل ليبيا الى حالة من الصراع الداخلي ومنع قيام حكومة وطنية قادرة على لم شمل الشعب واعادة بناء الدولة بعد انتهاء عهد معمر القذافي.
ثم جاء تدخل هذا التحالف عسكريا في اليمن، وهو عدوان نجمت عنه كوارث انسانية ماتزال تهدد نصف السكان بدون تحقيق اهداف سياسية ملحوظة. وعلى العكس من ذلك تداعت سمعة البلدين بعد ان استطاع اليمنيون فرض «توازن رعب» يهدد كلا من السعودية والامارات. كما نجم عن التدخل السعودي ـ الاماراتي هدم ما يقرب من اربعين مسجدا ومبنى ديني.
ما حدث في البحرين في إثر التدخل العسكري السعودي ـ الاماراتي ربما ساهم في تقوية موقع الحاكم امام شعبه، ولكنه اضعفه امام العالم، وكشف اعتماده الكامل على الدعم الخارجي، خصوصا بعد استقدام قوات باكستانية واردنية، ودعم بناء قاعدة بحرية بريطانية بالاضافة للقاعدة الأمريكية. النتيجة ان الحاكم بقي في مكانه في مقابل رهن البلاد للاجانب والتخلي عن سيادتها. واصبح على النظام ان يكون تابعا هامشيا للرياض وابوظبي. فما ان اعلن هؤلاء استهدافهم دولة قطر حتى هرع الحكم في البحرين لتنفيذ ما هو متوقع منه كتابع هامشي، واصبح وزير خارجيته بوقا للتهجم اليومي على قطر وإيران وقوى المقاومة، والدعوة المتواصلة لطرد دولة قطر من مجلس التعاون.
الدرس الذي تمت الاشارة له ان فيروس كورونا اظهر ضعف الدول المتغطرسة وهشاشة المتجبرين والمستكبرين. فهو لا يميز بين صغير او كبير، ملك او مواطن عادي، رجل او امرأة. وفجأة ادرك حاكم البحرين هشاشة موقفه، وان هناك قوانين وسننا إلهية تفرض نفسها على الكون، فأصدر قبل ايام امرا باطلاق سراح مئات السجناء السياسيين والجنائيين.
ما حدث في البحرين إثر التدخل العسكري السعودي ـ الإماراتي ربما ساهم في تقوية موقع الحاكم امام شعبه، ولكنه أضعفه أمام العالم، وكشف اعتماده الكامل على الدعم الخارجي، خصوصا بعد استقدام قوات باكستانية وأردنية، ودعم بناء قاعدة بحرية بريطانية بالإضافة للقاعدة الأمريكية
فبرغم الدعوات التي انطلقت سابقا مطالبة بذلك الا ان النظام اعتقد انه قادر على تجاهل المناشدات لتحسين سجل حقوق الانسان ووقف التعذيب واطلاق المعتقلين الذين يعتبر اكثر من 99 بالمائة منهم «سجناء رأي» اعتقلوا بسبب آرائهم ومواقفهم وربما مشاركتهم في مسيرات سلمية ترفع مطالب سياسية. اعتمد نظام الحكم في البحرين على الدعم الخارجي خصوصا من بريطانيا وأمريكا والتحالف السعودي ـ الاماراتي لمواجهة الشعب اولا والمطالبات الدولية باحترام حقوق الانسان ثانيا، والاستمرار في سياسات القبضة الحديدية ثالثا. هذا الدعم وفر له اموالا لشراء بعض المواقف المحلية والخارجية، وشراء الاسلحة وادوات القمع على نطاق واسع. كما وفر له قدرة على مواجهة المطالبات الدولية سواء بالاصلاح السياسي ام وقف ما اطلق عليه تقرير بسيوني «التعذيب الممنهج» ام السماح للجهات الدولية بدخول البحرين لتقصي الحقائق. وفي ما عدا لجنة تقصي الحقائق التي ترأسها المرحوم شريف بسيوني في العام 2011 لم يسمح لكافة المنظمات الحقوقية الدولية بدخول البلاد لمقابلة ضحايا القمع السلطوي. كما رفض النظام السماح للمقررين الخاصين حول التعذيب والمرأة ومجموعة العمل الخاصة بالاعتقال التعسفي، بدخول البلاد لتقصي الحقائق.
واخيرا حدث ما ليس في حسبان النظام.
وانتشر وباء فيروس كورونا، وانطلقت الدعوات مجددا مطالبة بامرين: اطلاق سراح اكثر من 4000 سجين سياسي بعد ان اصبح خطر انتشار الوباء بينهم حقيقيا، والعمل الفوري لاعادة اكثر من 1300 مواطن اصبحواعالقين في مدينة مشهد الإيرانية. وقد اعتاد قطاع واسع من سكان البحرين منذ قرون زيارة اضرحة الائمة من آل بيت الرسول في العراق وإيران. وبعد وقف شركات الطيران الخليجية (الكويتية والقطرية والاماراتية والعمانية) رحلاتها الى إيران، اصبح هؤلاء المواطنون عالقين بعد ان انقطت بهم سبل السفر. وقد مضى شهر كامل على هذا الوضع، بسبب رفض حكومة البحرين القيام باي جهد لتسهيل عودتهم، على غرار ما فعلت دول الخليج الاخرى. وتدخلت حكومات خليجية للضغط عليها للقيام بواجبها. واستطاعت سلطنة عمان ارجاع 165 من هؤلاء على احدى طائراتها الى البحرين التي بادرت على الفور لوقف المشروع العماني لاعادة المواطنين البحرانيين الى بلدهم.
ولا يتوقع استكمال المهمة الا بعد ان تتضاعف اعداد المصابين بالمرض. وصدرت مناشدات كثيرة لتخصيص جزيرة حوار التي تحتوي على فنادق عديدة لايواء هؤلاء المواطنين. هذه الجزيرة كانت موضع نزاع بين البحرين وقطر، ولكن محكمة العدل الدولية حكمت في 2001 بسيادة البحرين عليها. وبدلا من اعادتها الى الشعب، اصبحت ملكا خاصا للملك الذي حولها لمنتجع سياحي تحت سيطرته، بالاضافة الى جزيرة ام النعسان التي شيد بها قصرا خاصا به. هذه الجزيرة تساوي في مساحتها جزيرة المحرق التي يقطنها اكثر من ربع مليون من المواطنين. وبينما عمدت دول الخليج الاخرى للاهتمام بمواطنيها واسكنتهم فنادق راقية، ما تزال حكومة البحرين مترددة في مساعدة هؤلاء العالقين. وبدلا من تخصيص الفنادق الخالية من السياح لايواء العائدين من الخارج ممن يشتبه باصابته بالفيروس، تم توطين بعض هؤلاء خياما اقيمت في مناطق نائية.
بعد تسعة اعوام من التدخل العسكري السعودي ـ الاماراتي في البحرين، ما افق ذلك التدخل؟ وما هي آثاره؟ وما الذي جنته الحكومات الثلاث من المعاملة القاسية لشعب مسالم يطالب بحقوقه منذ عقود؟ الامر الذي حققه ذلك التدخل يتمثل بإطالة امد القمع من جهة، وإجبار البحرين على مسايرة الرياض وابوظبي في سياسات القمع والاستبداد وكذلك التطبيع مع قوات الاحتلال الاسرائيلية. اما شعب البحرين فقد بقي مضطهدا على ارضه، يتم استبداله بشكل تدريجي بشعب اجنبي من خلال مشروع التجنيس السياسي الذي بدأه الحاكم الحالي منذ وصوله للحكم قبل 22 عاما (في آذار/مارس 1999 بعد وفاة والده). فهل يعتبر هذا حلا؟ وما الذي تستفيده المنطقة من استمرار هذا التوتر؟ يضاف الى ذلك ان السعودية والامارات تشهدان في الوقت الحاضر معارضة متصاعدة، وتكتظ سجونهما بالمعارضين من العلماء والاكاديميين. ففي السعودية انقلب محمد بن سلمان على المؤسسة الدينية، وفتح الحوانيت والمراقص حتى في مكة والمدينة، وتضم سجونه شخصيات علمية ونسائية مرموقة منها الشيخ سلمان العودة وعوض القرني والشيخ حسن المالكي والدكتور عبد الله الحامد ورائف بدوي، وأكثر من عشر نساء بينهن السيدتان لجين الهذلول ونسيمة السادة. وفي افتتاح الدورة الحالية الثالثة والاربعين لمجلس حقوق الانسان ناشدت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، السيدة ميشيل باشيليت، السلطات السعودية اطلاق سراح السجينات السياسيات. اما الإمارات فتصر على اعتقال الاكاديميين ونشطاء حقوق الانسان.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2020/03/16