آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

حرب اليمن مزقت التحالف ووحدت اليمن

 

د. سعيد الشهابي

بعد خمسة أعوام من الحرب الشرسة التي شنها التحالف السعودي الإماراتي البحريني على اليمن، جاء العرض الذي قدمه عبد الملك الحوثي يوم الخميس الماضي ليظهر عمق التغير السياسي والايديولوجي الذي أحدثته الحرب: نعلن استعدادنا التام للإفراج عن أحد الطيارين الأسرى مع أربعة من ضباط وجنود المعتدي السعودي مقابل الإفراج عن المختطفين من حركة حماس. لم يظهر حتى الآن زعيم عربي واحد قدم عرضا كهذا أو انتقد العدوان، أو طالب السعودية والإمارات بوقف الحرب. هذا التصريح أحدث انقلابا فكريا وسياسيا ونفسيا لدى جماهير عربية وإسلامية واسعة لأنه كشف حقائق غيّبها الإعلام المضلل التابع لقوى الثورة المضادة.
بضع نقاط تجدر الإشارة إليها في الذكرى الخامسة للحرب على اليمن:
الأولى: هناك إجماع دولي يعلنه الكثيرون ويخفيه البعض هو أن التحالف السعودي الإماراتي الذي شاركت فيه حكومات أخرى من بينها البحرين فشل فشلا ذريعا ولم يغيّر على أرض الواقع شيئا. هذا الإجماع يعترف كذلك بأن لدى التحالف من أسباب القوة العسكرية ما يفوق ما لدى اليمن مئات المرات، هذا الإجماع أيضا ربما لم يختلف مع تقييم زعماء التحالف عندما انطلق العدوان في 26 مارس/آذار 2015 وتوقع زعماؤه أنهم سوف يحسمون الحرب في غضون أسابيع. كانت مشاهد التدمير لليمن في الشهور الأولى تعيد للذاكرة مشاهد الدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية، وما فعله القصف الأمريكي للعراق في 1991 و2003، وربما زاد عليها لأن العراق كان لديه جيش وعتاد وأسلحة متطورة من صواريخ وطائرات ودبابات، بينما لم يكن لدى اليمن شيء من ذلك. وعندما كانت طائرات تورنادو وتايفون وأف 16 تقذف حممها على الأهداف اليمنية لم تكن هناك مقاومة أرضية أو جوية تتناسب مع حجم القصف وكثافته. في البداية استهدفت المطارات والقواعد العسكرية ومخازن الأسلحة والطرقات والجسور بطلعات يومية مكثفة لم تترك مجالا للدفاعات اليمنية بالتخطيط لأي مواجهة حقيقية. وعندما نفذت تلك الأهداف بعد قصف كل منها مرارا، بدأ قصف الأهداف المدنية على نطاق واسع، ومنها المدارس والمستشفيات والأسواق وصالات المؤتمرات والاحتفالات والمساجد والمنازل. كان هذا يتم بمشاركة أكثر من عشر دول عربية وإسلامية من بينها مصر والمغرب وباكستان، وانضم لها السودان لاحقا. وبموازاة القصف الذي لم يتوقف ليلا أو نهارا، كانت الآلة الإعلامية التابعة للتحالف وداعميه قد وضعت في حالة تأهب قصوى، وظهر «الخبراء» و«المحللون» عبر هذه الوسائل الإعلامية لترويج الرواية السعودية الإماراتية الهادفة لشيطنة اليمنيين خصوصا جماعة «أنصار الله»، الأمر الذي غاب عن زعماء السعودية والإمارات أن اليمن شعب لا يقهر، وأن أبناءه الحفاة يتوفرون على مشاعر من الكرامة والإباء ما يجعلهم قادرين على التصدي للقوات المعتدية بشجاعة منقطعة النظير.
الثانية: كان اليمن مسرح الحرب التي شنها التحالف السعودي – الإماراتي، ولكن رسالة الحرب موجهة بشكل مبطن، لجميع الفصائل الوطنية والشعبية التي شاركت في ثورات الربيع العربي وهي أن التحالف هو الذي يقرر ما يجري في العالم العربي على مستوى نظام الحكم والتحالفات والعلاقات الدولية. وهذه حقيقة ما تزال خافية عن الكثيرين. فالإطار السياسي الذي انطلقت الحرب ضمنه، واعتبرته مصدر شرعيتها، أنها قامت من أجل «الدفاع عن الشرعية وإعادتها للحكم». والشرعية هنا كما طرحها التحالف الذي تقوده السعودية تتمثل بحكومة عبد ربه هادي منصور، الذي كان نائبا للرئيس السابق، علي عبد الله صالح. فبعد ثورة اليمن التي انطلقت في 25 فبراير/شباط 2011 تدخلت قوى الثورة المضادة لحسمها وفق مشروعها المضاد للتغيير. وعلى أساس ما سمي «المبادرة الخليجية» تم تكرار ما حصل في كل من تونس ومصر، وانحصر التغيير بتنحية الرئيس وتعيين نائبه. وكانت هذه القوى قد تدخلت قبل ذلك في البحرين، وأرسلت قوات سعودية وإماراتية لقمع ثورة شعبها.

وفي مثل هذه الأيام آنذاك بدأت قوى الثورة المضادة بقمع الشعب، وقامت بهدم 38 دارا للعبادة من ضمنها مساجد معروفة، واعتقلت الأطباء والرياضيين والمعلمين والنساء. وطوال السنوات التسع الأخيرة التي أعقبت الربيع العربي، سعى تحالف قوى الثورة المضادة التي تقوده السعودية ويضم كلا من الإمارات ومصر والبحرين بالإضافة إلى «إسرائيل»، لتثبت وجوده من خلال التدخل في كل البلدان التي حدثت فيها الثورات. فتدخل في مصر وأسقط نظام الإخوان، وسجن الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وتدخل في ليبيا بدعم الجنرال حفتر الذي يسعى لإسقاط حكومة بنغازي المعترف بها دوليا، وتدخل في السودان لمنع التغيير الحقيقي وتنصيب عسكريين بدأوا يتحالفون مع الكيان الإسرائيلي. اليمنيون وحدهم الذين تمردوا على «المبادرة الخليجية» فأرادت قوى التحالف تلقينهم درسا لن ينسوه، وشنت حربها الضروس التي أحدثت دمارا هائلا وأدت إلى موت أكثر من 50 ألفا من البشر. وفرضت على اليمن حصارا لا مثيل له، فمنعت الطعام والدواء كما فعلت مع العراق سابقا ومع إيران حاضرا. وحدثت مجاعة وأوبئة اعتبرتها منظمة الصحة العالمية «أخطر كارثة إنسانية في العصر الحديث».
الثالثة: الأمر المؤسف وغير المبرر مشاركة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا عمليا في العدوان السعودي الإماراتي البحريني على اليمن. تمثلت هذه المشاركة بعدد من الأمور منها: 1: دعم الحرب بخبراء أمريكيين وبريطانيين يشاركون في إدارة العمليات وتحديد الأهداف من مراكز القيادة والتحكم في الرياض والقواعد الأخرى، وفي مراكز على الحدود بين البلدين. 2 : الاستمرار في إرسال الأسلحة والعتاد لقوات التحالف.
الرابعة: إن الدعم الدولي كان شاملا، فلم يقتصر على الدعم العسكري واللوجستي والمعلوماتي بتسخير الأقمار الصناعية لتزويد القوات المعتدية بالجغرافيا اليمنية بالتفصيل، بل استخدمت لغة إعلامية مؤدلجة وبعيدة عن الموضوعية، وهابطة من حيث المستوى المتوقع من وسائل إعلام تعتبر نفسها مستقلة وتدعي نقل الحقيقة.
الخامسة: وأخيرا ربما جاء وباء فيروس كورونا لإنقاذ التحالف المذكور الذي كان في الشهور الأخيرة يبحث عن صيغة لإنهاء الحرب تحفظ ماء وجهه. فقد تطورت الإمكانات العسكرية لدى اليمنيين، وأصبحوا قادرين على خلق «توازن رعب» مع القوات المعتدية. بل استطاعوا توجيه ضربات موجعة لكل من الإمارات والسعودية. فبعد أن قصفوا المنشآت النفطية السعودية في الخريف الماضي وتسببوا في خفض صادراتها النفطية إلى النصف، استهدفوا القواعد العسكرية في خميس مشيط وقاعدة الملك خالد، ومطارات أبو ظبي والرياض وأبها، وبدأوا يصرون على استعادة المناطق التي يحتلها السعوديون مثل نجران وعسير. هذا في الوقت الذي لم يستطع السعوديون والإماراتيون إخفاء الخلافات في ما بينهما إزاء قضية اليمن، وهي خلافات مرشحة لتتحول إلى مواجهات عسكرية مستقبلا نظرا لطبيعة شخصيتي كل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. وبرغم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها اليمنيون طوال السنوات الخمس فقد رفضوا الانصياع لأي من المطالب السعودية، سواء في المفاوضات بين الطرفين التي عقدت في السويد أم في سلطنة عمان، الأمر الذي أحرج قوى الثورة المضادة.
هناك الآن دعوة من الامم المتحدة لوقف فوري لإطلاق النار على كل جبهات الحروب في العالم، وعلى رأسها اليمن. وقد هرع السعوديون والإماراتيون لاستغلال هذه الدعوة. والأمل أن تعترف الرياض وأبو ظبي بالهزيمة وتهرعا لوقف إطلاق النار رسميا وترك الملف اليمني جانبا بعد أن تأكد أن ما فشلتا في تحقيقه عسكريا لن يتحقق لهم عبر مفاوضات السلام.

القدس العربي

أضيف بتاريخ :2020/03/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد