خلود يوم الأرض الفلسطيني
د. عبد الستار قاسم
اليوم الموافق 30/آذار هو ذكرى يوم الأرض الفلسطيني والذي شهد ارتقاء ستة شهداء فلسطينيين في دفاعهم عن الأرض في مواجهة الاغتصاب الصهيوني وذلك في مدينة سخنين الفلسطينية الراسخة على أرض الجليل الواقعة في شمال فلسطين المغتصبة عام 1948.
لم يكتف الصهاينة بطرد الفلسطينيين عام 1948، وإرهابهم بمجازر تم تنفيذها ضد شعبنا العربي الفلسطيني في عدد من المواقع مثل مسجد دهمش في مدينة اللد، والطنطورة الواقعة على الساحل الفلسطيني ودير ياسين والدوايمة وغيرها. سفكوا دماء الناس بهدف إرهابهم ودب الرعب في قلوبهم لكي يحملوا بعض أمتعتهم ويهربوا من الديار حفاظا على أنفسهم من القتل البشع. وبالرغم من ذلك اعترض الصهاينة طريق بعض الهاربين إلى اللجوء وأذاقوهم مر العذاب. لقد بقروا بطون النساء الحوامل، وقطعوا أيدي بعض النساء ليسرقوا الحلي، وتركوهن ينزفن حتى الموت. وغدروا حتى الأطفال الذين كانوا في اللفافة على أيدي الأمهات وألقوا بهم في المياه. لقد اقترفوا جرائم وحشية مرعبة في وقت لم تتوفر فيه وسائل إعلام، ولم تتوفر فيه دول تدافع عن حق الفلسطينيين في بلادهم وفي العيش بأمن وسلام. لقد تآمر العالم الغربي بصورة عامة مع الصهاينة، وسهلوا لهم القيام بكل أنواع الإجرام والهمجية لكي تتحول فلسطين إلى وطن قومي لليهود. ولم يكن الفلسطينيون في حينه على قدر من القوة يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، ولم تكن البلدان العربية تحت حكم مستقل يتمكن من اتخاذ قرارات تنقذ فلسطين وأهلها.
لم يتوقف الصهاينة عند طرد السكان، وإنما أذاقوا الذين صمدوا في بيوتهم ومدنهم وقراهم مر العذاب والملاحقات لكي يجبروهم على الخضوع والانصياع للإرادة الصهيونية، ولكي يدفعوا بالمزيد خارج البلاد إلى اللجوء. ووضع الصهاينة عيونهم على ما تبقى من الأرض باأدي الفلسطينيين وأخذوا سيستولون على الأراض بحجج مختلفة ومتنوعة. صادروا الأرض بدواعي أمنية، أو بدواعي امتلاكها لغائبين، أو اعتبارها أراضي دولة يرثها الكيان الجديد، الخ. لقد جردوا الفلسطينيين من مساحات شاسعة من الأراضي.
عام 1976، قام الصهاينة بمصادرة أراض من جديد في منطقة الجليل، فهب الناس من سخنين وعرابة والبلدات المجاورة دفاعا عن أرضهم. تحركت الجماهير الفلسطينية في تظاهرة ضخمة ضد الممارسات الصهيونية، ورُفعت شعارات التمسك بالأرض والمحافظة على الهوية الفلسطينية والثقافة الفلسطينية في مجمل الأرض المحتلة/48. واجهتهم القوات الصهيونية وعملت على قمعهم وتفريقهم. والنتيجة أن ارتقى ستة شهداء فلسطينيين، خمسة من منطقة الجليل، وشهيد سادس من سكان مخيم نور شمس بالقرب من مدينة طولكرم كان في زيارة لأصدقاء في الجليل. تفرقت المظاهرة التي نالت قسطا جيدا من التغطية الإعلامية، وحازت على تضامن عربي وعالمي واسع، وسجلت نقطة لصالح الفلسطينيين على الساحة الدولية ضد الكيان الصهيوني القاتل. ومنذ ذلك الحين، والفلسطينيون يحيون الذكرى تحت عنون يوم الأرض. وقد دأبت الجماهير الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها على إقامة مهرجانات الذكرى وتذكير كل فئات الشعب الفلسطيني بمخططات الصهاينة وأهدافهم وعملهم الدؤوب على تجريد الشعب الفلسطيني من كل أرض يمكن أن يقف عليها.
لم تفتر همم الفلسطينيين بشأن يوم الأرض إلا بعد اتفاق أوسلو المشؤوم الذي شكل خطورة كبيرة على النضال الفلسطيني من أجل التحرر والحرية. لم يعد ليوم الأرض ذلك البريق والحماس اللذين ميزا مرحلة ما قبل أوسلو. لكن لفلسطين حراسا لا يملون ولا يكلون وهم دائما على استعداد لحمل القضية برمتها على ظهورهم من أجل أن يبقى الحق.
الأرض المحتلة/48 هي الأكثر وفاء حتى الآن ليوم الأرض، والقيادات الوطنية والإسلامية فيها تصر دائما على أن الأرض أرض فلسطيني، ومهما حاول الصهاينة الطغيان على هوية البلاد فإنهم لن ينجحوا إلى الأبد، وما ضاع حق وراءه مطالب.
سنبقى أوفياء لوطننا وشعبنا، وستبقى حقوقنا فوق كل الضغوط والملاحقات، والمجد لشهدائنا والعودة للاجئينا المشردين، والنصر لنا بإذن الله. فاصبروا أيها الناس وأعدوا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/04/01