ذكرى النكبة وحتميّة المقاومة…
د. جمال زهران
يأتي 15 مايو/ أيار من كلّ عام… لينغّص علينا حياتنا ويُشعرنا بالخزي والعار، أن دولة الاغتصاب (الكيان الصهيوني)، زرعت، ولا زالت مستمرة رغم مرور (72) عاماً على تاريخ إنشاء هذا الكيان غصباً عن إرادة شعب فلسطين، وليتحوّل المشرّدون في الأرض، تلك الحفنة العفنة من اليهود الاستعماريين، إلى مغتصبي أرض شعب فلسطين التاريخيّة، ويشرّدوا أبناء هذا الشعب الفلسطيني!!
ولذلك ليس بخطأ، القول عند صدور وعد بلفور في عام 1917، بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، «إن من لا يملك أعطى لمن لا يستحق»!! مأساة كبرى نعيشها كلّ عام، والمنطقة العربية من سيّئ إلى أسوأ، وتكاد تنفضح نظم عربية رجعية بقيادة السعودية وغالبية دول الخليج، بالإعلان الفاجر عن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني المسمّى بـ «إسرائيل»!! فمصر السادات كانت الخطيئة الكبرى، حينما بدأت في تأميم الصراع العربي الصهيوني، واعتباره صراعاً فلسطينياً/ إسرائيلياً، وانسحبت مصر، وأعطت الفرصة لكلّ من يرغب في السير في اتجاه مصر، أو أن يضرب رأسه في الحائط!! هكذا دفعت الأنانيّة المصرية في عهد السادات بعد حرب أكتوبر 1973 وإنجازاتها الضخمة والتاريخية، إلى الزحف إلى أميركا و«إسرائيل»، وإعطاء ظهرها للأمة العربية، ففقدت معها وظيفتها التاريخيّة باعتبارها القائد الإقليميّ الذي يقود قاطرة الأمة العربية من الخليج إلى المحيط، وفقدت دورها القائد تباعاً حتى وصل إلى العدم.
وبتأمّل المشهد من عام 1887، نجد أنّ هذا التاريخ هو حجر الزاوية، حيث بدأت الدعوة الصهيونيّة بتشجيع هجرة اليهود من كلّ مكان في العالم إلى ما تمتّ تسميته، بـ «أرض إسرائيل»، وفقاً للمفهوم التوراتي، الذين يعتقدون به، ولم يكن عدد اليهود في أرض فلسطين، عموماً يزيد عن (24) ألفاً طبقاً للتقديرات الصهيونية المنحازة، وعن (20) ألفاً طبقاً للتقديرات المحايدة أو الموضوعية، ولم يكن عدد اليهود الأصليين في فلسطين من هؤلاء، سوى 10% فقط!! ثم كان المؤتمر الصهيوني الأول في (بال) بسويسرا، عام 1897، الذي أقرّ العديد من الأهداف في سبيل إقامة «دولة إسرائيل الكبرى وعاصمتها القدس»، وذلك بقيادة (تيودور هرتزل) الذي كان قد نشر كتاباً بعنوان (الدولة اليهودية)، في ألمانيا عام 1896. ثم تتالت الجهود الصهيونية بتشجيع الهجرة، وبتواطؤ من الدولة العثمانية، والدولة الاستعمارية (بريطانيا)، التي لم تتوانَ عن إصدارها لوعد بلفور في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، بإقامة دولة «إسرائيل الكبرى» على أرض فلسطين التاريخية، باعتبارها «أرض الميعاد» في العقيدة اليهودية، وهي في الأصل سياسة استعمارية خبيثة بإقامة هذا الكيان الصهيوني، كخنجر في ظهر الأمة العربية، يحول دون تحقيق تكاملها الذاتي ووحدتها العربية الكاملة. إلى أن تمّ إعلان «إسرائيل» رسمياً على أرض الواقع في 15 مايو/ أيار 1948، تجسيداً لشرعية زائفة من الأمم المتحدة بصدور قرار تقسيم فلسطين رقم (181) لعام 1947! وتعرّضت المنطقة العربية من ذلك التاريخ لحروب كبرى شاركت فيها قوى كبرى مع «إسرائيل» في 1948، 1967، 1973، ثم الحرب على لبنان مرات عدة ووصل إلى احتلال «إسرائيل» لبيروت عاصمة الدولة اللبنانية، ولم تخرج إلا بالقوة المسلحة بعد تنظيم قوى المقاومة صفوفها، تحت لواء حزب الله، عام 2000، ومنذ ذلك التاريخ ارتعدت «إسرائيل» التي أجبرت على الخروج من لبنان وهي تجرّ أذيال الهزيمة النكراء. وسعت «إسرائيل» خلال تلك الفترة وللآن تسعى للحصول على «الشرعية السياسية»، أي القبول السياسي لهذه الدولة الصهيونية، لكنها فشلت تماماً، وإنْ كانت قد نجحت، فلم تنجح إلا باستجابة بعض الحكام في مقدّمتها مصر السادات، والأردن حسين، وما بعد ذلك، ثم دول عربية عدة تمثل الرجعية العربية (السعودية وقطر وعمان والإمارات والبحرين)، ومن قبل المغرب، وتسعى السودان مؤخراً بلقاء مشبوه بين نتنياهو ورئيس المجلس السيادي (عبد الفتاح البرهان) في أوغندا، بمبررات مصلحية، إلا أنّ هناك دولاً عربية عديدة تقاوم وترفض الضغوط الأميركية، في مقدّمتها الكويت والجزائر، والعراق، وموريتانيا وليبيا، التي ترفض التطبيع مع «إسرائيل» نهائياً. ناهيكم عن دول المقاومة القائدة (سورية ولبنان) ومن خلفهما الدولة الإيرانيّة، وقوى المقاومة في الداخل الفلسطيني.
ولا تزال «إسرائيل» فاشلة في الحصول على الشرعية السياسية بقبول شعبي لها، وكانت تتصوّر أنها بالتطبيع مع نظم عربية عميلة وحليفة للولايات المتحدة الأميركية، يمكنها أن تقوم بالتطبيع مع الشعوب، التي ترفض ذلك.
ولعلّ في الرفض الشعبيّ الواسع في السودان لما أقدم عليه رئيس المجلس السيادي (البرهان) عندما التقى نتنياهو في أوغندا، خير مثال على ذلك، وخير مثال على الانفصال بين هذه النظم الحاكمة وشعوبها.
كما أنّ الرفض الشعبي في مصر للتطبيع مع «إسرائيل» حتى الآن، ليؤكد هذه الحقيقة، باعتبار أنّ مصر هي الدولة الأولى في عهد السادات التي بدأت التطبيع بعقد اتفاقيتي كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية (مارس 1979)، وبعدها الأردن باتفاقية وادي عربة، ثم الاتفاق الفلسطيني الصهيونيّ المعروف بـ (أوسلو). ولا زالت الشعوب ترفض هذه الاتفاقيات وتطالب بإسقاطها في كلّ مناسبة.
وختاماً: أقول في الذكرى الـ (72) للنكبة، بإعلان ميلاد دولة الكيان الصهيوني الغاصب، إنه لا بديل عن المقاومة لهذا الكيان، بكلّ السبل وفي المقدّمة المقاومة المسلحة إلى أن تتحرّر فلسطين من النهر إلى البحر، وتفكيك هذا الكيان الاستعماري إلى الأبد، وأراه قريباً للغاية باستمرار المقاومة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/05/19