محمد حسنين هيكل... والقارئ البحريني
قاسم حسين ..
في اليوم الأخير من معرض الكتاب الدولي، قصدت دار النشر التي توزّع كتب محمد حسنين هيكل، لأستكمل ما ينقصني منها، وحين سألت البائع عنها، ابتسم وقال: «خلصت».
كان ذلك مؤشراً طيّباً، أن هذا الكاتب الكبير، الذي تعرّض إلى حملاتٍ كبيرةٍ من الكراهية والتشويه بل والشتائم والسباب الرخيص، حتى بعد مماته، مقروءٌ على نطاقٍ واسعٍ في البحرين.
الرجل له مواقف وآراء، قد لا تعجب الكثيرين، بما فيها قراءته لمواقف دول المنطقة وأحداثها، وخصوصاً بعد ثورات الربيع العربي. وهو يعتبر نفسه في السنوات الأخيرة من جيلٍ قديم، مستقبله وراءه، ولا يطمع في منصب ولا مال، ولذلك لم يكن لأحدٍ أن يبتزه في معاش أو مال. وكان يطل على الجمهور بين سنةٍ وأخرى، بمقابلة ضافية، يحلّل فيها الأوضاع ويبصّر الناس بالعبر والمسارات.
كان يشخّص وضع مصر قبل الثورة بقوله: «نحن بلد رَهَن جزءاً من إرادته (في إشارة إلى كامب ديفيد)، وأضاع جزءاً مهماً من ثروته، وبدّد جزءاً مهماً من قوّته، وتهاون في جزءٍ مهمٍ من قيم الثقافة والعدل، واستغنى عن جزء مهم من هويته وشرعيته». وكان يؤكد أن أهداف الثورة المصرية في 2011، «هي أهداف كل ثورةٍ في الدنيا: الحرية والعدل والتقدّم. وهي قصة الأمل الإنساني على طول التاريخ». ويشير إلى أن النموذج نفسه موجودٌ في الأدب، من وليام شكسبير إلى نجيب محفوظ، حيث لكل قصةٍ ثلاثة أبطال: رجل وامرأة ومؤلّف يحرّك الأحداث.
حين ثار الشعب المصري على حكم حسني مبارك، واجتمعت الملايين في ميدان التحرير، دعاه الكثيرون هناك للحضور، لكنه امتنع، وكان يقول: أنا من جيل سابق، وهذه الثورة ثورة جيل جديد، وعصر آخر، ولابد أن يأخذ حقه كاملاً في تصرفه دون مؤثرات. حضور أمثالي يفرض نوعاً من الوصاية عليهم، وعليهم أن يرسموا طريقهم ويحددوا خياراتهم بأنفسهم. بل ونصح كثيرين من جيله بأن «يتركوا الميدان لأصحابه، حتى لا يشوش عليهم أحد، لتكون الفرصة مفتوحة لفكرهم وزمانهم».
في الذكرى الأولى للثورة، أجرت «أخبار اليوم»، معه مقابلة مطولة لثلاثة أيام، جمعتها في كتابٍ بعنوان «هيكل يتكلم... مصر أمام لحظة حقيقة»، وكان «الإخوان المسلمين» يتحضّرون للانتخابات الرئاسية (التي أوصلت محمد مرسي للحكم لاحقاً)، بعد فوزهم بأغلبية مقاعد البرلمان الجديد، وكان يدعو لإعطائهم الفرصة كاملة للترشح والانتخابات وممارسة السلطة أيضاً. لكن لمعرفته العميقة بالسياسة الأميركية وظروف العصر، حذّر مما سيقع فيه الإخوان: «مع اتجاه الولايات المتحدة لإغراق المنطقة في بحرٍ من الخلافات المذهبية، بين السنة والشيعة، فإنها كانت بحاجةٍ إلى سند وحلف سني لمواجهة الآخر، والتحدّي الحقيقي أمام الإخوان هي ما إذا كانوا بعد السلطة على استعداد للمضي والتصعيد في فتنة الخلافات المذهبية في دار الإسلام، بينما الولايات المتحدة تشجّع وتدفع، وإسرائيل تنتظر»... وتتفرج! وهذا هو الامتحان العسير الذي سقط فيه «الإخوان»!
لم يكن يؤمن بتصنيفات سنةٍ وشيعةٍ، وغيرها من توصيفات مضلّلة، وإنّما كان يقرأ المنطقة سياسياً، في حراكاتها وصراعاتها ومصالحها الكبرى. في 1979، زار إيران، واستقبله الإيرانيون بحفاوةٍ لا تقل عن حفاوة استقبال الشاه له في 1975. وكتب عن ثورتهم كتاباً بالإنجليزية، تُرجم للعربية بعنوان: «مدافع آية الله»، ولقي رواجاً واسعاً لما تضمنه من آراء وانطباعات وتحليلات، بقي مرجعاً مهماً لمعرفة ذلك الحدث، وظلت بعض مقولاته طازجةً حتى الآن. وحين زار قم، معقل الثورة ضد الشاه، خرج بخلاصةٍ عن الفكر الشيعي، وهي فكرة محورية تقول إن الشهيد قطب التاريخ. ربما تكون فكرة مقتبسة من المفكر الكبير علي شريعتي، وربما كانت استنتاجاً دقيقاً من هذا الكاتب المفكر العملاق.
كان شاهداً على أحداث القرن العشرين الكبرى، من الحرب العالمية الثانية، إلى ثورات فلسطين والجزائر وإيران، إلى الحروب في كوريا والهند وبنغلاديش وباكستان وفيتنام، والحروب الأميركية الثلاث المدمّرة في الخليج. وحرص القارئ البحريني على اقتناء كتب هيكل من المؤشرات الطيّبة هذه الأيام.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/04/06