التطوّرات في الساحة الإقليمية ومسألة الحرب العسكرية !
ربى يوسف شاهين
ضمن أُطُر تنوّع السياسات القائمة على الساحة الإقليمية، نجد دائماً الملفين السوري والإيراني في صَدارة تراتبية المشهد السياسي في المنطقة، وهذا طبيعي جرَّاء الخروقات السياسية والعسكرية المُمَنهجة التي تتَّبعها الولايات المتحدة وأدواتها الإقليمية، فبين اليمن وإيران وسورية تتربَّع واشنطن على هَرَمِ التدخّلات المُهندِسة للحروب بشقّيها السياسي والعسكري، تارة تتدخّل واشنطن بوصفها قوّة عُظمى لإيجاد الحلول السياسية، وفي جانبٍ آخر تتدخَّل كقوّةٍ غازيةٍ مُعتدية، فضلاً عن تقديم أشكال الدعم كافة للفصائل الإرهابية في سورية والعراق، خاصة بعد هزيمة غالبية الفصائل المُنتشرة بين البلدين، وغالباً ما نُشاهِد واشنطن في مشهد المُصلِح للأنظمة السياسية فتختلق الذرائع الأخرى لكي لا يتمّ اكتشاف غاياتها الأساسية كما في إيران، والتي تُعدّها واشنطن تهديداً لأمن «إسرائيل» ومُخطّطاتها في المنطقة، ليبدأ الدخان السياسي يتصاعد مُتثاقِلاً بين مناطق الاقليم، فتزداد كثافته وفقاً لرغبات الأميركي والإسرائيلي والتنفيذ يتمّ عبر وكلاء عرب وأجانب ينفّذون الأجندات الغربية بحذافيرها خشية الغضب الأميركي المُهدِّد لأنظمتهم.
واشنطن أوصلت درجة السخونة السياسية في ملفات سورية وإيران إلى الذروة، واستعار النيران السياسية الأميركية له أسبابه نوضحها في ما يلي:
السبب الأول: إدراك واشنطن الخسارة التي تلقّتها من تواجدها في منطقة الشرق الأوسط، وإنْ اعتبرت نفسها أنها قد نجحت واستطاعت فَرْض فوضاها الخلاّقة في المنطقة، وحقّقت الانتصار، إلا أنها عملياتياً خسرت من ميزانيتها ومن هيبتها عبر قرارات صدرت من رئيسها دونالد ترامب، والتي اعتبرتها معظم دول العالم بأنها غير مُنضبِطة، ولذلك تحاول أن تظهر بمشهدٍ يليق بهذه القوّة العُظمى.
السبب الثاني: إدراكها للفشل نتيجة الاصطدام بمحور المقاومة سورية وإيران، بالإضافة إلى تواجد القُطب المُوازي لها روسيا، جعلها تتريَّث في ردّ فعلها السياسي، فكانت تصبّ جلّ غضبها عبر انتهاكها واعتدائها بطائرات التحالف على مناطق الشمال الشرقي من سورية كالرقّة ودير الزور، ولا ننسى عدوانها وفرنسا وبريطانيا على مطار دمشق، وفي وقتٍ سابقٍ قصفت مطار الشعيرات في حمص، وهي على وشك تطبيق قانون قيصر الذي لا يمتّ للقوانين بصلة وإنما يتدرّج تحت اسم اللاشرعية.
كلّ هذا بُغية إبعاد سورية عن مضامين الحلّ السياسي، وزيادة تعقيدات الملف السوري، وزيادة الخنق على الشعب السوري المتمسك بأرضه وقائده، إضافة إلى إيصال رسائل إلى الدولة السورية وحلفائها، بأنّ واشنطن ستكون أحد أضلع الحلّ السياسي المُرتَقب، وتحديداً عن طريق الملف الصحي مع انتشار فايروس كورونا.
السبب الثالث: فشلها في إرضاخ روسيا لتتمكَّن من الضغط على القيادة السورية بُغية إخراج إيران من الساحة السورية، إضافة إلى مَنْعِ إيران وكَسْرها عبر استبعادها عن الحلّ السياسي السوري، نتيجة لذلك، اصطدمت الرغبة الأميركية برفض القيادة السورية لجهة إخراج إيران من سورية ولم تسمح بكَسْرِ إيران معنوياً كما كانت تشتهي واشنطن وباتت إيران ورغم الإرهاب الاقتصادي والوباء القاتل «كوفيد– 19» أقوى كدولة على الساحة الدولية داخلياً وخارجياً.
السبب الرابع: التعنّت الأميركي لم يُجدِ نفعاً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لذلك كان لا بدّ من زيادة جرعات العقوبات عبر توزيعها على إيران بشكلٍ عام وشخصيات إيرانية مُنفرِدة، بعد أن استنفذت كلّ ما في جُعبتها، لتنتقل إلى العقوبات العابِرة للحدود واحتجاز ناقِلة النفط الإيرانية عبر القوات البريطانية فحروب الوكالة ليست عسكرية واقتصادية في نطاق الدولة المُستهدَفة، بل يطالها في البر والبحر والجو ولتعود طهران إلى مجابهة الخصم السياسي الظالم على من يقف بوجه رغباتها ولتكسر ناقلاتها النفطية حاجز الإرهاب الاقتصادي وتنتقل عبر البحر الكاريبي وتنقذ دولة فنزويلا الصديقة.
السبب الخامس: أميركا باتت تُدرِك أنّ معظم الدول الأوروبية وإن كانت ظاهرياً تُعلن الوفاء لها، إلا أنّ مُنعكسات قراراتها الترامبية جعلت السِهام السياسية تُصيبهم في شؤونهم الخارجية، والذي بدوره سينعكس على شؤونهم الداخلية، لذلك نجد بعض الدول الأوروبية بدأت تُخالِف واشنطن في بعض قرارتها وتحاول سدّ الفجوات السياسية التي ترتكبها لمنع تصدّع علاقاتها مع إيران كما يحدث في معاهدة الاتفاق النووي والذي انسحبت منه واشنطن فالواضح أنّ ما يتمّ الإتجار به إعلامياً من قبل الإعلام الغربي ينافي ما يجري في المشهد الميداني في المنطقة التي تضمّ محور الممانعة (إيران – سورية ـ العراق – لبنان).
ضمن ما سبق من مُعطيات؛ ما تحاول واشنطن فعله هو تأخير الحلول السياسية والعسكرية في المنطقة وخاصة في سورية، فعلى ما يبدو أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعمل على احتساب الزمن لصالحه وضَبْط مُعادلته الانتخابية المقبلة، لذلك يلجأ ترامب إلى التصعيد السياسي في المنطقة والذي بدوره قد يحرف مسار الدفّة ليجذب أدواته الإقليمية والدولية إلى مُعادلاته السياسية، التي ستؤدّي بهم إلى قاع مُخطّطات ترامب سياسياً وعسكرياً، والاختيار لقانون قيصر في هذ التوقيت، ليشلّ عجلة الحركة السياسة القائمة بين سورية ودول الجوار وخاصة لبنان التي تعدّ الأضعف نتيجة وجود تكتلات تعمل لصالح اجندات خارجية، قد تستفيد من السعار الأميركي وقانون قيصر والذي جاء في أدقّ الأوقات حرجاً على لبنان وسورية تحديداً.
في المُحصّلة لعلّ السعي الأميركي لتعقيد ملفات المنطقة من إيران إلى سورية، قد يُفلِح في بعض جوانبه، لكن الاستراتيجية الهادِئة لروسيا وإيران وسورية تجعل من العَبَث الأميركي يصطدم بالبرودة السياسية لمحور روسيا، فالتطوّرات السياسية في المنطقة بات من الضروري احتواءها وتبديد المؤشّرات المُنذِرة بالتدحُرج نحو حرب كارثية خاصة، وأنّ السياسة الأميركية تحاول فَرْض الوقائع والمُعطيات وتسخين المشاهِد السياسية إقليمياً ودولياً رغم هول الاستبداد العنصري الذي تمارسه عبر أفراد تابعة لنظامها اللاديمقراطي.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/06/06