دورة الرياض: همس الجواري
علي الشريمي ..
كيف توافق الجهات المسؤولة على أن تقام دورة تدريبية بعنوان "همس الجواري" التي تنتهك حرية وكرامة المرأة؟ إنه أمر في غاية الغرابة
هل نحن قوم نعيش في الماضي؟ هل نحن قوم ما زلنا نعشق البحث في الدفاتر القديمة لكي نعالج قضايانا الجديدة؟
لا، في الواقع، نحن لا نذهب للماضي، بل التاريخ بكل جلالة قدره يأتي إلينا صاغرا، نحن "كسالى" حتى في العودة إلى الماضي، بل الماضي -الله لا يهينه- يتعب نفسه ويأتي إلينا، يطرق بابنا، يدخل بيتنا، ويجلس في فناء دارنا، ولهذا لا تتفاجأ أبدأ عندما تدخل البيت، وتجد الرجل سيدا مطاعا يجلس في صدر المجلس وكأنه عنترة بن شداد يأمر وينهى ويتفاخر برجولته أمام زوجاته، صدقوني ليس هذا خيالا بل حقيقة، فناء الدار مليء برجالات الماضي، وقد أحضروا معهم الجواري، لعلهم اخترعوا جهازا "للانتقال عبر الزمن" ومنهم من وصل إلينا، وإلا هل يعقل في هذا الزمن وفي القرن الواحد والعشرين أن تقام دورة تدريبية بعنوان "همس الجواري"؟
نعم هي دورة ستقام في مدينة الرياض وستبدأ غدا الجمعة 8 أبريل ولمدة يومين، ولعل محاور الدورة هي مصداق للعنوان "مدخل إلى الشخصيات الأنثوية "الحورية، الملاك، الفراشة "كيف تتمرحلين بين الشخصيات الأنثوية الثلاث؟! أين تقع المرأة الرمانة في هيكل الأنوثة؟!
السؤال: كيف توافق الجهات المسؤولة على هذه العناوين التي تنتهك حرية وكرامة المرأة؟ إنه أمر في غاية الغرابة أن تخرج علينا مثل هذه الدورات في الوقت الذي تنشط فيه الجهود لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر عالميا وخليجيا، وعلى مستوى المملكة مثلا نجد صدور نظام مستقل لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بتاريخ 21/ 7/ 1430، وقد تم إنشاء لجنة وطنية دائمة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص تختص بمتابعة أوضاع الضحايا، وتتألف هذه اللجنة من ممثلين من وزارات الداخلية والخارجية والعدل والشؤون الاجتماعية، والعمل، والثقافة والإعلام، وهيئة حقوق الإنسان، بهدف تعزيز التعاون والتنسيق في البرامج التدريبية وتنظيم المؤتمرات وورش العمل الهادفة إلى بناء القدرات الوطنية العاملة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، هذه الجريمة تعد أخطر وأبشع جريمة منظمة تواجه البشرية اليوم بعد جريمتي المخدرات والسلاح، ويشكل استمرارها وصمة عار في جبين الإنسانية، حيث تديرها "مافيا" عالمية تحقق 30 مليار دولار سنويا من هذه التجارة.
في هذا الوقت تأتي هذه الدورة وكأنها تطالب بالعودة إلى نظام الجواري، وهنا ما زلت أتذكر أنه قبل سنوات طالبت إحدى الناشطات الخليجيات بافتتاح مكاتب للجواري على غرار مكاتب الخادمات، تدعو فيها إلى سن قانون ينظم عملية استقدام الجواري وفق ضوابط: أن تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة، وتحديد قيمة الجارية، ومن حق المواطن أن يمتلك ما يشاء من الجواري! نعم للأسف هناك من لا يزالون يرون هذا الرأي، بل وبعضهم ما زالوا يجادلون في الحكم الشرعي للرق وأنه ما زال مشروعا، لكن حال دون تنفيذه ضعف الدول الإسلامية وعدم قدرتها على الغزو واتخاذ السبايا، ولو أصبح المسلمون أقوياء فإن الأمور ترجع إلى سابقتها! هذا النمط من التفكير والنظر إلى العالم باعتباره مشروعا للغزو هو أمر في غاية الخطورة، إذ يدل على أن جهود المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية والإعلامية قد عجزت عن تصحيح مفاهيم الرق والسبايا والأسرى لدى قطاع مجتمعي كبير، من الأهمية بمكان إلغاء مثل هذه الدورات، خاصة أنها تحمل عناوين تمتهن فيها كرامة الإنسان.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/04/07