شفّاطات!
قاسم حسين ..
ليس جديداً على الرأي العام العربي والدولي ما تم تسريبه من وثائق تفضح عمليات سرقة أموال الشعوب بالجملة عبر العالم.
قبل ستة أعوام، فضحت وثائق «الويكيليكس» الكثير من حكام ورؤساء الدول، وأسمتهم بعضها بعصابات «المافيا»، نقلاً عن تقرير لأحد الدبلوماسيين في السفارة الأميركية في تونس. أمّا الوثائق الجديدة فتفضح عمليات المراوغة والسرقة وغسيل الأموال، في دولة صغيرة واحدة فقط، تقع في منطقة البحر الكاريبي، ومن خلال شركة واحدة فقط، لم يكن اسمها معروفاً للرأي العام قبل أسبوع واحد فقط. فكم هناك من مثل هذه الشركات، التي تعمل لتوفير «ملاذات آمنة» لعمليات السرقة وتهريب أموال الشعوب في بقية الدول الصغرى والكبرى، وفي مختلف الأقاليم والقارات؟
يخيّل لمن يتابع أخبار هذه التسريبات الفضائحية، أن الشرق والغرب كله يخضع لمجموعة من السرّاق، فالتسريبات الجديدة لا تتعلق بزعماء حاليين وسابقين فحسب، بل تتسع إلى الدوائر المقربة من المعارف والحواشي والأحباب لـ 60 زعيماً آخر عبر العالم. من بينهم الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، والرئيس الأرجنتيني موريشيو ماكري، فضلاً عن والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون المتوفى!
يأتي نشر هذه الفضائحيات، ليهز من جديد سمعة النخب والأحزاب و «الطبقات» الحاكمة، حتى في الغرب، الذي كان يتداول قصصاً عن فساد قياداته، مثل رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، والرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، اللذين كانا نموذجين للسياسي الانتهازي الذي تحيطه تهم وشبهات الفساد.
ردود الفعل في الدول الديمقراطية ستكون واضحةً وسرعةً، حيث لا تقبل تلك الشعوب بمشاهدة أموالها تُسرق ويُتلاعب بها، ولن يخرج من بينهم من يرفض محاسبة المفسدين ويدافع عنهم لنوازع جاهلية كما يحدث في الشرق. وكان أسرع رد فعل ما حدث في ايسلندا، التي اضطر رئيس وزرائها سيغموندور غونلوغسون للاستقالة، بعد يوم واحد فقط من مظاهرات احتجاجية نظمت أمام البرلمان، بسبب ورود اسمه على قائمة العار، والكشف عن امتلاكه مع زوجته شركة مسجّلة في الخارج، وإخفائه ملايين الدولارات من أصول ثروته العائلية.
هذا في الغرب، أما شرقاً، فإلى جانب ورود اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تضمنت القائمة اسم شقيق زوجة الرئيس الصيني شي جينبينغ، فضلاً عن زعماء عرب سابقين، مثل حسني مبارك، الذي برأه القضاء المصري من أغلب التهم الموجهة إليه عن فترة حكمه الطويلة التي امتدت ثلاثين عاماً! كما ضمت اسم معمر القذافي، الذي لم يكن يخفي أيام حياته، استبداده واستئثاره وعائلته بالسلطة والنفوذ والمال، وكان أحياناً يقوم بعمليات استعراضية لجذب الإعلام، من قبيل توزيعه أموالاً على مئتي فتاة إيطالية شقراء، دعاهن لمحاضرةٍ يلقيها عن الإسلام! وكان قد رتّب ذلك من خلال شركة علاقات عامة اختارتهن بحسب مواصفات جمالية معينة، من بينها ألا يقل طولهن عن 170 سنتيمتراً!
التسريب الجديد يأتي في وقت ضاغط، حيث تمرّ الكثير من البلدان بفترة اقتصادية حرجة، أعلنت خلالها عن إجراءات تقشفية ستُفرض أول ما تُفرض على الطبقات الوسطى والفقراء، ما سيزيد الغضب العام، مع مشاهدة البذخ والسرقات، يسيران جنباً إلى جنب التقشف وشد الحزام.
إن تسريب 11.5 مليون وثيقة، لم تقرأ كلها بعد، تمثل كنزاً ضخماً من الفضائحيات، وما تسرّب منها إلا جزء بسيط جداً، لا يشكّل إلا قمة جبل الفساد!
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/04/07