الشورى بين مسوغات التغيير ومبررات التمرير
محمد حسن مفتي ..
لشهور طويلة ثار الجدل في العديد من وسائل الإعلام المحلية حول اتجاه مجلس الشورى لرفع سن التقاعد، سواء إلى 65 أو إلى 62 عاما، وقد سعى بعض أعضاء المجلس لتوضيح مبررات الحاجة إلى هذا التعديل، وقد بدت لي هذه المبررات سطحية ضحلة تفتقد إلى الكثير من العمق، سواء من ناحية الشكل أو المضمون، والهدف منها تمرير مثل هذا القرار دون مسوغات علمية كافية، وبداية يجب التنويه بأن مثل هذا المقترح ليس في حاجة إلى اقتباس حيثيات إصداره من خلال تجارب أو خبرات دول أخرى، فهو قرار محلي بالدرجة الأولى ويخضع لظروف وطبيعة كل دولة على حدة.
في الحقيقة يمكن رد مبررات رفع سن التقاعد التي تم طرحها إلى اقتراح أحد الأعضاء بأن 60 سنة ميلادية تعادل 62 سنة هجرية، وهو يبدو كما لو أنه مخرج لمؤسسة التقاعد لرفع سن التقاعد من أجل توفير موارد مالية متجددة للمؤسسة، وهذا أمر في حد ذاته يخص مؤسسة التقاعد وحدها، والتي كان عليها بدلا من اللجوء إلى مثل هذه المقترحات أن تلجأ إلى بدائل أخرى استثمارية لزيادة مواردها المالية، بدلا من إقحام الموظف الحكومي في سنوات أخرى من العمل اليومي ومصادرة حقه في الحصول على التقاعد.
أما المبرر الثاني الذي تم ذكره فيكمن في زيادة كفاءة الخدمات الصحية التي أصبح بإمكان المواطن العادي الحصول عليها، وبالتالي فإن معدل زيادة عمر الإنسان وتحسن صحته بوجه عام يسوغ رفع سن التقاعد ويلغي المبرر السابق بأن سن الستين هو السن الحرج الذي يتعين خلاله أن يتقاعد المرء ويخلد للراحة لتدهور حالته الصحية وتقدمه في العمر، وفي اعتقادي أن هذا المبرر غير مدروس وسطحي ولا تؤيده دراسات علمية متخصصة في هذا الشأن، وبالتالي فهو لا يعدو أن يكون مبررا إنشائيا لا يعتد به؛ لأن التطور في مجال الخدمات الصحية هو تطور عام ويحدث في غالبية دول العالم.
من المؤكد أن أسباب زيادة سن التقاعد يجب أن ترتبط بالخطط القومية للدولة، وأهمها معدل دوران العمل في القطاع الحكومي، فمعدلات البطالة سوف تتزايد لا محالة بذات المقدار الذي سوف يتم رفع سن التقاعد إليه، وهو ما سيتسبب في أزمة اقتصادية أكبر واجتماعية أعمق، كما سيثير أزمة فعلية وجوهرية حول مفهوم ضخ دماء جديدة في البنى الهيكلية لمؤسسات الدولة العامة والقيادية، والتي تبحث بجدية عن قيادات شابة جديدة جذابة تبدأ مرحلة إدارة الدولة بمنظور علمي وحديث مبتكر.
من المؤكد أن مثل هذا المقترح يحتاج قبل إقراره لإجراء العديد من الدراسات العلمية والمجتمعية والاقتصادية عن العلاقة بين رفع سن التقاعد وبين ارتفاع نسبة البطالة ومعدل الدوران الوظيفي الحكومي، فهذا القرار هو قرار محلي يعتمد على النسب العامة والإحصائيات الخاصة بقضايا رئيسية تمس جميع طبقات المجتمع كافة، كما أنه يحتاج لفرز وتصنيف للقطاعات الاقتصادية بالدولة، فبعض القطاعات قد تحتاج لرفع سن التقاعد لأنه سيضيف لها مزايا نسبية أو فوائد جوهرية، بينما سيمثل رفع هذا السن لبعض القطاعات الأخرى تباطؤا في معدلات الإنجاز وتسربا للنخب القيادية الشابة المؤثرة في إدارة المؤسسات على نحو فعال، لمؤسسات أخرى تبحث عن طرق مبتكرة لقيادتها وإدارتها.
الموضوع إذن لا يمكن تعميمه ولا يمكن البت في قرار بشأنه دون الاستناد لنتائج دراسات عملية وميدانية معمقة تتناول القضية من خلال عدة زوايا مختلفة، فعلى سبيل المثال تعاني الجامعات السعودية شحا ملموسا في العديد من التخصصات الأكاديمية، وبالتالي فإنها تحتاج لرفع سن التقاعد للاستفادة القصوى من الكفاءات الموجودة بالفعل والحفاظ عليها بدلا من إهدارها، هذا بخلاف أن الأداء الفكري والمجهود الذهني والعمل النظري يتم صقله بمرور السنوات وازدياد عدد سنوات الخبرة والمعرفة، وليس العكس بطبيعة الحال، وهذا بخلاف الكثير من التخصصات ومجالات العمل الأخرى التي تحتاج لشباب متحمس متقد، لم يدب الوهن في أوصاله بعد.
ما نرجوه من المجلس عند مناقشته لهذا الموضوع، أن يتبنى منهجا علميا عند قيامه باتخاذ القرارات المصيرية في المجتمع، لا تعتمد على الرفض المطلق أو القبول المطلق، وأن يخرج بقرارات نوعية لا قرارات إجمالية كمية، وأن يقوم بفرز وتصنيف كل قطاع عامل بالدولة وإعداد مقارنة علمية توضح نتائج كل من تمرير القرار أو وقفه، بما يتماشى مع المصلحة العليا والشاملة للدولة، وبما لا يؤثر بالسلب على الخطط القومية والإستراتيجية للمملكة، والتي تتعارض مع إنصاف طرف على حساب طرف آخر، أو تمس التوازن والتعادل بين جميع قوى وأقطاب المجتمع كافة.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/04/11