اليمن على أعتاب مرحلة جديدة
د. جيمس زغبي ..
يعاني اليمن منذ عقود من سوء الحكم والتخلّف والحروب الأهلية، ولكن العالم ظل يتجاهل معاناة الشعب اليمني.
لقد تفاقمت معاناة اليمنيين خلال العام الماضي، لكن صحيفة نيويورك تايمز عنونت في افتتاحية لها الأسبوع الماضي: «ملامح لانتهاء الحرب في اليمن». وقصدت الصحيفة بذلك اللقاءات الأخيرة بين الحكومة السعودية وعناصر من المعارضة اليمنية، والتي أسفرت عن الإعلان عن تبادل للأسرى ووقف لإطلاق النار، ومفاوضات سلام، تستضيفها دولة الكويت، ويرى بعض المراقبين أن صحيفة نيويورك تايمز بالغت في التفاؤل، ومع ذلك هناك بعض الأم على الأقل، بأن يتجاوز اليمن المأزق الراهن.
نظام فاسد
وفي حين مرّ اليمن بفترات اضطراب سابقة، فإن الفصل الأخير بدأ غداة «الربيع العربي»، لقد ظل اليمن بلداً فقيرا حتى في أفضل ظروفه، وظل يعاني من الاضطراب السياسي، ففيه صراعات قبلية وصراع حول الثقافة السياسية بين الشمال والجنوب، وإرث استعماري، وفيه فرع لتنظيم القاعدة. لقد تحجّر حكم علي عبدالله صالح الذي استمر لقعود، ذلك النظام الذي وضعته إدارة بيل كلينتون ذات يوم بأنه نموذج ل «الديموقراطية الناشئة» وأصبح نظاماً فاسداً، ويقوم على المحسوبية، وما طالب به محتجو «الربيع العربي» هو سقوط نظام صالح الفاسد، وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية.
ويعد انزلاق البلاد إلى حالة من الاضطراب تدخّلت دول مجلس التعاون الخليجي مع الأمم المتحدة، في محاولة لإعادة الاستقرار، من خلال إجراء بعض الإصلاحات المتواضعة على الحكم اليمني، وقاد الاتفاق الذي تم التوصل إليه إلى إزاحة علي عبدالله صالح وتولي نائبه عبد ربه منصور هادي، الحكم وتشكيل حكومة تكنوقراط.
سيطرة على 4 عواصم
لقد أرسى هادي أجندة إصلاح، كان يرفضها صالح، وعمل على تعطيلها تحت حكم هادي، ونجح في ذلك، لأنها لم تحظَ بدعم شعبي كامل، ولم تتوافر لها الموارد اللازمة، من أجل إحداث تغيير حقيقي.
وعند هذه اللحظة تمت إطاحة حكومة هادي، وتعرّضت البلاد للغزو من مجموعة متمردين متحالفين مع عناصر من الجيش اليمني التي ظلت موالية للرئيس المخلوع صالح، وبعد سيطرة هؤلاء المتمردين على العاصمة صنعاء اتجهوا جنوباً وانقلبوا على التسوية التي توصلت إليها الأطراف اليمنية بوساطة خليجية، الأمر الذي دفع دول الخليج للتحرك ضدهم.
ولأنه سبق للمملكة أن واجهت اعتداءات الحوثيين على حدودها، فقد ساءها كثيراً أن تجد نظاماً يخضع لسيطرة صالح والحوثيين على حدودها الجنوبية، وما فاقم الأمور أكثر هو تفاخر البعض في اليمن بأنهم يسيطرون الآن على أربع عواصم عربية، هي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وقد ترافق ذلك مع تقارير عن شحنات أسلحة إيرانية وصلت إلى الحوثيين؛ هذا بالإضافة إلى التدخّل الإيراني لدعم نظام بشار الأسد، الأمر الذي جعل من غير الممكن لدول الخليج أن تتجاهل ما يحدث في اليمن..
فكان القرار بإنشاء التحالف الذي أعلن نيته التصدي للتمرد الحوثي، وتثبيت سلطة حكومة هادي.
جنون
لقد أدت الصراعات في اليمن على مدى السنوات الخمس الماضية إلى مقتل أكثر من خمسة آلاف شخص وإصابة 30 ألفا بجروح، وتشريد أكثر من نصف مليون نسمة داخل البلاد، وأصبحت البلاد بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب. وتشير التقارير إلى أن أكثر من مليوني شخص ـــ منهم 300 ألف طفل ـــ يعانون من سوء التغذية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد استغل تنظيم القاعدة الاضطرابات الراهنة، وحالة الانفلات الأمني، لتوسيع مناطق نفوذه في اليمن. وهكذا، فإن المرء يأمل في تلميحات بأن أطراف الصراع قد توصلت إلى قناعة، مفادها أن هذا الجنون يجب أن يتوقف، وانه يجب البدء بالمفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية ومصالحة وطنية. وعندها، تبدأ الأجندة الحقيقية التي لا تقتصر على الإصلاح السياسي وتوحيد البلاد وإلحاق الهزيمة بــ «القاعدة»، بل أيضا، إعادة الإعمار وجهد دولي كبير بقيادة دول مجلس التعاون والولايات المتحدة لتلبية احتياجات اليمن الأساسية.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/04/11