آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد فرج
عن الكاتب :
كاتب وباحث أردني، صدر له "

رحلة التّطبيع في الاقتصاد الإماراتيّ

 

  محمد فرج

ثمة زاوية يُقرأ منها اقتصاد الإمارات، ترتبط تماماً بسياسة التطبيع، وربما تكشف لنا استقراءات حول مستقبل هذا الاقتصاد، هل هو قادر حقاً على الاستمرار في الثراء؟

على مدار السنوات الماضية، اهتزّت صورة الإمارات في عيون العرب، سياسة ومواقف، في ما يتعلق بقضيتهم المركزية فلسطين. ربما لم يكن ذلك خافياً على النخبة السياسية المثقفة في السابق، ولكن اليوم تتسع دائرة السخط الشعبي على مواقف الإمارات التي باتت أكثر وضوحاً، مع تراجع حاد في أساليب التورية في خطابها السياسي.
صورة الإمارات سياسياً باتت واضحة للجميع، ولكن ربما ما زالت صورتها الاقتصادية ضبابية، فالبعض ينظر إليها على أنها البلد الثري؛ بلد فرص العمل الأكثر جدوى، والبعض يلاحظ تراجعاً في اقتصادها من زاوية العمالة الوافدة، عربياً وآسيوياً، والتي ألقتها دولة الأحلام على أقرب عتبة مطار للمغادرة. 
ثمة زاوية يُقرأ منها اقتصاد الإمارات، ترتبط تماماً بسياسة التطبيع. وربما تكشف لنا استقراءات حول مستقبل هذا الاقتصاد، هل هو قادر حقاً على الاستمرار في الثراء؟ هل هو في طريقه إلى الإفلاس؟ هل هو قادر على تجديد نفسه تحت الشعار المتداول خليجياً، اقتصاد ما بعد النفط، وتنويع مصادر الدخل؟
ثمة تقارير وتحليلات مختلفة صدرت بهذا الشأن، ولكن ربما تكون قراءة المفكر المصري الراحل سمير أمين في كتابه "اشتراكية القرن"، قد لخَّصت بعمق قصّة "نموذج دبي". 
تتضمن سردية أمين 3 مراحل أساسيّة، تشكّل كذلك مراحل دول النفط في الخليج.
المرحلة الأولى هي عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تفرّدت شركات النفط العملاقة في احتكار السيطرة الشاملة على القطاع النفطي، وفرضت أسعاراً منخفضة عليه، ولم تترك للدول النفطية إلا ريعاً محدوداً، وهذا ما خدم مصالح تراكم رأس المال في الدول الصناعية، وليس في دول الخليج.
انطلقت المرحلة الثانية في العام 1973، والتي تم تعديل الأسعار فيها وخلق حالة من الطفرة النفطية عادت بالكثير من الأموال على دول الخليج، استثمرتها في رفع المستوى المعيشي لأغلبية السكان الأصليين، وتحولت هذه الدول إلى مراكز مالية، ولكنها منعت من أن تصبح مستقلة، وأنظمتها نفسها لم تمتلك أيّ نزعات استقلالية، وإنما تورَّطت في تمويل اقتراضات خزانة الولايات المتحدة التي استخدمت تلك الأموال في ديون "العالم الثالث" غير النفطي. 
قامت استراتيجية الولايات المتحدة في المرحلة الثانية بحرمان أيّ دولة من الجمع بين القوة السياسية والمال. ومن هنا يتأتى صدامها المباشر مع إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرة، وصدامها مع الحكومة البوليفارية في فنزويلا لاحقاً. 
لقد استخدمت الولايات المتحدة أموال الدول النفطية في ديون فرضتها على جيران هذه الدول من جهة، كما أنَّها منعت دول النفط من حيازة أيّ حقوق ملكية، المصدر الأساسي للأرباح الدائمة، من جهة ثانية. يسرد أمين في هذا السياق مثالاً على رفض الولايات المتحدة بيع أيّ شركة للإمارات تدير الموانئ الأميركية، فالمقبول هو وضع أموال الخليج تحت تصرف شركة أميركية تستحوذ على حقوق الملكية. 
في المرحلة الثالثة، اقتضت الاستراتيجية الأميركية الاستيلاء المباشر على المورد النفطي، وتحديد أوجه التصدير والأسعار، فكان التواجد العسكري في الخليج، وكان مدخله أزمة الخليج الثانية في العام 1990، التي سهَّلت من خلالها دول الخليج هذا التواجد عبر صفقات السّلاح واتفاقيات الدفاع.
هكذا يمكن تلخيص قصّة الاقتصاد الإماراتي (وبطبيعة الحال الكثير من الدول النفطيَّة التي ارتهنت لهذا الدور): ريع منخفض لصالح الشركات العملاقة بعد الحرب العالمية الثانية، عوائد مالية هائلة بعد العام 1973 يمنع توظيفها في شراء حقوق ملكية، أو شراء حقوق ملكية غير حسّاسة يمكن مصادرتها في لحظة (كما هو حال الأموال السعودية في silicon valley)، ومن ثم السيطرة المباشرة على المورد.
المشاريع الاقتصادية المشتركة بين الإمارات والكيان الصهيوني في سياق عملية التطبيع لا تخرج عن إطار هذه السرديَّة ونتائجها المتراكمة، فنموذج دبي الَّذي أبهر الكثيرين في سياق مشروع العولمة، لم يتمكَّن إلى اليوم من تحقيق شروط الاستقلالية اللازمة (ممارسة حقوق الملكية الفكرية والصناعية، السيطرة على أنماط التمويل، احتكار حقّ استخراج الموارد، احتكار الوسائل العسكرية في الدفاع عن الموارد وآليات استخدامها). 
ولا يبدو الحديث الإعلامي المتداول موضوعياً في وصف الحالة، فهي ليست حالة تحالف اقتصادي، بقدر ما هي استمرار للخدمات الاقتصادية التي قدّمتها الإمارات للولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

تظهر صورة الإمارات في هذه المشروعات، إما كمشترٍ (كما حدث في برنامج عين الصقر، عندما اشترت الإمارات الأنظمة الأمنية الإسرائيلية)، وإما كشريك ثانوي، كما هو الحال في بحوث علاج كورونا، إذ لا تتكفل الشركات الإماراتية بجوانب البحث العلمي، وإنما تمويلها من دون حيازة حقوق ملكية أو تنفيذ مهمات تسويقية للمنتج. تحتلّ الإمارات المركز 67 عالمياً في تصدير الصناعات الدوائية، وأغلبها عبر شركات عالمية تعمل في البلاد. وهنا تصدق استقراءات أمين مجدداً. 
من الواضح أنَّ الإمارات ستؤدي دور المموّل في المراحل الأخيرة من اقتصاد النفط، قبل الانتقال إلى عصر الطاقة البديلة بالكامل. وعندما تنتهي هذه المهمَّة، ستجد نفسها بلا دور، وتتأكَّد أنها أنفقت أموالها، من البداية حتى النهاية، في مسار الإذعان لرغبات الأميركي والإسرائيلي، اللذين لن يتردّدا حينها في إطلاق الرصاصة الأخيرة على رأسها!
لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/08/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد