هل فشلت جولة بومبيو في زيادة عدد المطبعين مع إسرائيل؟!
جمال الكندي
الرحلات المكوكية التي قام بها مؤخراً وزير خارجية أمريكا ” بومبيو ” لصناعة السلام في المنطقة بسيناريو وإخراج أمريكي لمنتج كتب عليه صالح لإسرائيل فقط، وهوغير نافع بل هو ضار ومدمر للصحة السياسية والسلم الأهلي والخارجي لدولنا العربية، فهو بكل بساطة يأخذ كل شيء ولا يعطينا أي شيء من حقوقنا في الأراضي العربية التي سلبت واحتلت من قبل إسرائيل عام 67، ولا يأخذ بعين الإعتبار قاعدة “الأرض مقابل السلام” التي تم إغراء العرب بها للسلام مع إسرائيل، بل على عكس من ذلك يتم ضم مزيد من الأراضي الفلسطينية من قبل الكيان الصهيوني.
هذا يذكرنا بمقولة “هنري كيسنجر” وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ثعلب السياسة الأمريكية حيث قال في مذكراته حسب ما ورد بكتاب “مصر من ناصر إلى حرب أكتوبر من أرشيف سفير “لقد حصلنا على كل شيء ولم نعطي شيئاً” وهو يقصد بذلك قرار السادات في إبعاد المستشارين العسكريين السوفييت من مصر، وهذا كان نصراً أمريكيا كبيراً في بداية علاقتها مع مصر.
“بومبيو” اليوم جاء إلى المنطقة بهذه العقلية (عقلية الأخذ بدون مقابل)، ربما يكون المقابل وعود كاذبة بصناعة السلام في المنطقة، ولكن السؤال المهم الذي لابد أن الشارع العربي المثخن بالجراح التي سببتها إسرائيل في المنطقة سوف يسأل قادته السياسين أين وعد الأرض مقابل السلام الذي كان شعار قمة عام 2002 هل تحقق ؟؟ أو أن سياسة ضم الأراضي العربية هي سياسة ثابتة عند الصهاينة لم ولن تتبدل بتطبيع مع العرب، وسعي “بومبيو” لزيادة غلة الدول العربية التي يراد لها أن تسلك ما سلكته دولة الإمارات سوف يفشل إذا أدركنا جيداً مقولة ” كيسنجر ” نأخذ ولا نعطي، وإذا اعطينا فهو يكون لمصلحة حلفاءنا الأساسين في المنطقة إسرائيل فقط.
هذه العقلية الكسنجرية -إن صح التعبير- التي جاء بها “بومبيو” هي فاشلة إذا أدرك العرب خطأ التطبيع على بياض أي بدون مقابل، والمقابل هي الأراضي التي إحتلتها إسرائيل فهل أرجعت تلك الأراضي ؟ الجواب معروف فلماذا إذاً هذه الهرولة الأمريكية لزيادة عدد الدول العربية والإسلامية المطبعة مع الكيان الصهيوني ؟؟ الجواب في جملة عنوانها “فتش عن المستفيد من هذا التطبيع ” والمستفيد دولتان هما: أمريكا والكيان الصهيوني فقط.
قبل أن نذكر استفادتهما نريد أن نسجل رفضنا لأي سلام مع إسرائيل في ظل عدوانها السافر والمستمر على فسطين، وسوريا، ولبنان وإحتلالها لأجزاء من أراضي هذه الدول، فكيف يكون التطبيع مع عدو يحتل الأرض.
زيارة “بومبيو إلى المنطقة جاءت لزيادة عدد الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، وفي السياسة عامل الوقت مهم جداً، وهذا بدوره يجرنا لسؤال جوهري وأساسي لماذا الآن تسعى أمريكا بقيادة “ترامب ” لتزيين التطبيع مع إسرائيل في عيون العرب، وأن ذلك من أجل السلام في المنطقة؟ طبعاً أمريكا معروفة بتزييف الكلمات حسب معطياتها وأجنداتها السياسية، والمعطى السياسي اليوم وجود أزمة داخلية في أمريكا وإسرائيل، فمأزق “نتنياهو” الداخلي ذو أبعاد ثلاثية : قضائية وهي قضايا فساد مرفوعة ضد “نتنياهو” ،واقتصادية ذات بعد صحي بسبب فيروس “كورونا” وما سببه من تبعات لاقتصاد إسرائيل بتفشي البطالة فيها، والمظاهرات ضد “نتنياهو” تحمل هذا العنوان، وسياسية في عدم قدرة حزب “نتنياهو” في تحقيق الأغلبية النيابية المريحة التي يستطيع من خلالها تشكيل الحكومة، وهذه المعطيات أدت ولأول مرة في تاريخ هذا الكيان الصهيوني لعمل ثلاثة انتخابات برلمانية كلها أدت إلى فشل تحقيق الأغلبية المطلقة لنتنياهو، لذلك فإن صفقة التطبيع مع دولة الإمارات وغيرها من الدول العربية تعتبر حبل النجاة لهذا الصهيوني .
أما في الداخل الأمريكي فتذكر المؤشرات المبدئية في سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية تفوق المرشح الديمقراطي ” جو بايدن ” على الرئيس “ترامب ” بسبب أمور عدة منها تخبط الإدارة الأمريكية الحالية في التصدي لفيروس “كورونا”، والذي تسبب بخسائر بشرية واقتصادية كبيرة لأمريكا، لذلك فالتسلح بورقة التطبيع الإسرائيلي مع العرب يراد لها أن تكون مفتاح السر والنجاح للرئيس “ترامب” في سباق الرئاسة القادم، بالإضافة لما قدمه من قرارات تصب في صالح إسرائيل مثل الإعتراف بكامل القدس عاصمة لإسرائيل، وبسيادتها على الجولان المحتل. من أجل ذلك كان الحل في زيادة عدد الدول المطبعة مع إسرائيل، فهي الورقة التي سوف تستخدم للإستثمار السياسي داخل أمريكا وإسرائيل.
جولة بومبيو الأخيرة في دول المنطقة يراد لها أن تحقق مقولة ” هنري كسنجر “لقد حصلنا على كل شيء ولم نعطي شيئاً” فعلاً لم تعطينا أمريكا أي شيء فمبدأ الأرض مقابل السلام تنسفه إسرائيل في كل يوم وها هي الذريعة التي قيل عنها بأنها هي سبب التطبيع “الإماراتي الإسرائيلي ” تنسف قبل توقيع اتفاق التطبيع، “فنتنياهو” ينفي نفياً قاطعاً أي نية لإلغاء ضم أراضي من الضفة الغربية للكيان الصهيوني، وهو بذلك يقصف بصاروخ صهيوني قاعدة “الأرض مقابل السلام” .
زيارة “بومبيو” إلى المنطقة هي فاشلة قبل أن تبدأ لأنها ببساطة تريد أن تأخذ ولا تعطي، وتحاول نسف التوافق العربي الذي أساسه ” الأرض مقابل السلام” فأوجد لي الأرض وبعدها نتحدث عن السلام، والسلام مع الكيان الصهيوني مازال بعيد المنال، لذلك كل عملية تطبيع مع هذا الكيان هي تصب فقط في صالحه وصالح أمريكا، ومن يطبع معه له حساباته الخاصة التي هي بعيدة عن حسابات القضية الفلسطينية .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/08/31