الهيمنة على «الشرق الأوسط»: صراع الكبار
نادر حسان صفا
ليس مستغرباً أن يوصف المشهد السياسي في «الشرق الأوسط» بالمتأزّم. وليس غريباً أن نرى صراعاً دولياً من الطراز الأول للهيمنة على موارده الأولية والسيطرة على موقعه الجغرافي المميّز.
فبين الصراع الفرنسي – الإيراني والإيراني – التركي يطغى الصراع الأقوى في المنطقة أيّ الصراع الأميركي – الصيني حول المنطقة العربية.
المشهد السياسي اليوم بالمنطقة العربية مفعم بالتدخلات الخارجية حيث تسعى الجمهورية الإيرانية بمحورها المقاوم للاستقرار في المنطقة. في المقابل نرى الفرنسي والتركي الذي يخوض حرباً وجودية له في منطقة المشرق العربي. ولكن يبقى الصراع الأميركي – الصيني هو الصراع الأقوى، حيث انّ الولايات المتحدة الأميركية قد حاولت الترويج لتحالف شرق أوسطي تحت مظلة أميركية على غرار حلف شمال الأطلسي ويكون الكيان الاسرائيلي رأس الحربة فيه. لكن هذا الحلف لم يجد نفعاً ولم يحرز إلا تقدّماً بطيئاً لأنّ المصالح الاقتصادية تلعب الدور الأساسي اليوم داخل كلّ دولة، فالكيان «الإسرائيلي» المعادي للصين ظاهرياً كان قد سمح بالاستثمارات الصينية رغم العداء الصيني – الأميركي ورغم الصراع الكبير بينهما تبقى المصالح الاقتصادية طاغية. فالحليف الأول للولايات المتحدة الأميركية قد غضّ النظر عن هذا العداء وسعى بجدّ من أجل مصلحته مما يظهر المزايا الكبيرة التي تقدّمها الصين لمن يشاركها في مشاريعها.
وفي المقلب الآخر تسعى الصين لتحقيق أهدافها في كلّ من سورية ولبنان لتصبح على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، الأمر الذي يثير غضب الولايات المتحدة الأميركية ويدفعها للعمل على زعزعة الأمن في الشرق الأوسط لمنع الصيني من الدخول. فالغاز اللبناني هو غنيمة كبيرة لكلّ دول الفئة الأولى من العالم، إذ ما ان فتح لبنان دورة التراخيص في البلوكات (1-2-5-8-10) حتى باشرت الشركات الصينية والروسية بتقديم العروض للدخول في هذه الدورة، وفي المقابل اندفع الأوروبي في لعبة شدّ الحبال والتدخل الفوري في الشأن السياسي اللبناني الداخلي ليبقى صمام الأمان الوحيد في المنطقة. ومع وجود مطامع بالموارد الأولية وبالهيمنة على المشرق العربي تتعرّض المنطقة كلها لخضة أمنية واقتصادية لإبقائها تحت الوصاية وفي غرفة الإنعاش كي لا تموت. إذن بات الأمر جلياً: لا مهرب من لعبة الدول الكبرى عندما تكون لهذه الدول غايات ومصالح سياسية
انّ الوضع اللبناني اليوم أشبه بحرب باردة، فتارةً تتحرك المنظمات الإرهابية في الشمال لضرب الجيش اللبناني والذي هو صمام الأمان للوطن إضافة الى التعرّض لهيبة الدولة اللبنانية، وتارةً أخرى نشهد خللاً أمنياً كبيراً بعد تفجير مرفأ بيروت واستقالة الحكومة الى جانب تعيين رئيس حكومة جديد لم يجد سبيلاً إلا الاعتذار أيضاً عن عدم القيام بمهامه، إضافة الى عدم تشكيل حكومة إنقاذية للبلاد. فضرب الحكومة اللبنانية يعني ضرب السلطة التنفيذية أيّ سدّ كلّ المنافذ للخروج من الأزمات الاقتصادية والمالية والأمنية.
بالمختصر المفيد، الوضع غير مطمئن ولا يبشر بالخير. فالخارج أعطى الإشارة لضرب لبنان اقتصادياً ومالياً بحجة فساد إداري في الدولة كي يتيح لنفسه فرض الوصاية عليه، أضف الى ذلك موضوع بحر لبنان الذي يحتوي على كنز يسدّ حاجات الدول الأوروبية لعشرات السنين ويؤمّن الوسيلة للصين ولروسيا لفتح باب الدخول الى الشرق الأوسط معتمدين على حلفائهما في الداخل، الأمر الذي يرهب الأميركيين والأوروبيين ويقضّ مضاجعهم. ناهيك عن أمور مستجدة أيضاً تتصدّر العناوين الكبيرة، فالعين اليوم على الانتخابات الأميركية التي من شأنها ان تقلب موازين كثيرة في شتى المجالات، حيث يرى البعض انها ستكون السبيل نحو الحلول في المنطقة ككل نظراً لما للولايات المتحدة الأميركية من أهمية في الشرق الاوسط.
ولا بدّ هنا من القول إنّ القوى الاقليمية تعمل وفق استراتيجية واضحة المعالم لتعزيز نفوذها في المنطقة العربية المنهكة اساساً وهي تحاصر العالم العربي من كافة جهاته تقريباً من الشرق والشمال والغرب لا يبقى للعرب اذن سوى المنفذ الجنوبي باتجاه المحيط الهندي ومنفذ البحر الاحمر الذي يتعرّض ممرّه الجنوبي اليوم لخطر جسيم من قبل المقاومة الحوثية، أما الخطر على ممرّه الشمالي فيكمن بتربص الكيان الصهيوني. وعلاوة على ذلك يأتي الحلف الإماراتي – الإسرائيلي أيضاً على جزيرة سومطرة اليمنية ليزيد الطين بلة فيفقد العرب منفذهم الوحيد على المحيط الهندي.
انّ وضعنا أشبه بمعارك العصور الوسطى حيث بات بإمكاننا تصوّر العالم العربي كمدينة تتعرّض لحصار خانق يكتم الأنفاس شيئاً فشيئاً، والأخطر من ذلك إدراكنا بأنّ مياه هذا الوطن العربي تنبع من تركيا، وانّ نهر النيل اليوم أصبح فريسة للأثيوبي حليف «إسرائيل» نفسها.
انها لحظات مصيرية تمرّ بها المنطقة ولبنان هو «الشرق الأوسط الجديد».
لننتظر بعد سقوط «سايكس بيكو» تسمية جديدة للمنطقة وشكلاً جديداً لها، وهو عبارة عن كيانات ضعيفة متصارعة ومتناحرة لن يكون لبنان بعيداً عن تأثيرها ومخاطرها. فكون البعض اختار التحالف مع العدو الاسرائيلي لم يبق أمام الأمة إلا التضامن والاتحاد او اللجوء إلى حليف من الدول الثلاث (إيران – تركيا – الكيان الإسرائيلي)، لذلك يبقى الحليف الإيراني هو الملاذ في هذا البحر المتلاطم الأمواج.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/10/12