إيران وسوريا.. المقاومة لا التطبيع
محمد لواتي
إن افتراض مواجهة عسكرية بين الغرب وإيران يبدو ضئيلاً، و"إسرائيل" أمام هذا الضعف الغربي تبدو هشة، وهي بالتأكيد الآن تحرس حدودها تحت جناح السرية خوفاً من حزب الله.
بالعودة ولو باختصار إلى مفهوم خارطة الشرق الأوسط الجديد، تُطرح الإستفهامات التالية: أين رُسمت هذه الخارطة؟ وما هي المنطلقات والأهداف التي رُسمت لها؟ ولماذا حُشرت قطر والسعودية ضمن فريق اللاعبين؟
بعد طرح هذه الإشكليات، يمكننا فهم ولو جزئياً أحداث المنطقة والأطراف الفاعلة فيها. حين طرحت كوندوليزا رايس مفهوم التغيير في المنطقة (الشرق الأوسط الجديد)، تجلّى المشروع الأميركي هنا، الذي هو بالأساس مشروع الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، وهو مشروع قائم على فكرة "أنتم بمالكم أمراء الخليج ونحن بفكرنا".
كان هذا قبيل انهيار الأمن القومي العربي مع تورط حسني مبارك والسعودية في اللعبة الأميركية الإسرائيلية وأصبحا جزءاً منها. كان الهدف الأساس النيل من سوريا وإيران، واعتُبرت سوريا آنذاك -خليجياً - طريق العبور لإيران، وكأن إيران مجرد أسوار من ذهب بلا تاريخ! وهنا كان الخطأ الخليجي والخطأ الأميركي - الإسرائيلي.
في المقابل، كانت المواقف الروسية الإيرانية تتناغم بامتياز وكان محور المقاومة يتشكّل بخطى ثابتة في لبنان على يد حزب الله، وكانت سوريا مسرح التلاقي، تليها إيران. لكن الروسي فهم اللعبة حيث قال آنذاك الرئيس بوتين "إننا ندافع عن قلب روسيا بالدفاع عن سوريا، وإذا سقطت سوريا سندافع عن روسيا من داخل أسوار الكرملين".
وحين أخرجت أميركا بندر بن سلطان من اللعبة الدولية في الملف السوري وسافر إلى المغرب، لم يكن ذلك مجرد مواجهة ظرفية لأحداث ظرفية بل بداية تشكيل توجه أميركي جديد في المنطقة بعد أن أصابت المخيبات كل السياسات الأميركية مع ارتفاع المنتج السياسي الروسي لما فوق المستوى الذي كانت أميركا قد حددته بأقل من ذلك في مخابرها، بل إن رئيس المخابرات السعودية السابق بندر بن سلطان، وفي لقاء مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قال حينها: "نحن في السعودية لم يعد لدينا ثقة بأنّ الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن وجودنا، لذلك سوف نتوجه نحو أوروبا من أجل الحصول على الحماية اللازمة".
ثمة إذنٍ، أو رؤى جديدة؛ و لكنها رؤى لا يمكن أن تنطلق من فراغ، فالضحية محدّدة الهوية مسبقاً و قابلة لتحميلها كل الأخطاء.
لقد حان الوقت- كما يقول أحدهم- كي يدرك الهاربون من فشلهم مواقف إيران والرمال التي تتحرك من فوقها. وبالطبع، ليست لعبة الرمال المتحركة فقط لعبة التاريخ ولعبة الجغرافيا ثم لعبة الشعور الديني والوطني، كما وصّفها مدير المخابرات المركزية الأميركية السابق في إحدى كتبه. لقد صارت أميركا وحلفاؤها الغربيون عالقين في المأزق الإيراني وكذلك ''الأعراب" الذين سايروهم وأثنوا على مواقفهم المدمرة حفاظاً على عروشهم، هم أيضا أمام الاحتمالات السيئة، فلا الحرب ضد إيران قادمة ولا الاستسلام الإيراني لمطالب الغرب جاهزة، إنها المعادلة المعقدة والتي تبدو من وجهة نظر البعض في وكالة الاستخبارات الأميركية مستحيلة ومن وجهة نظر البعض منهم بداية النهاية للاستعلاء الغربي ضد العالم النامي.
إن افتراض مواجهة عسكرية بين الغرب وإيران يبدو ضئيلاً، و"إسرائيل" أمام هذا الضعف الغربي تبدو هشة، وهي بالتأكيد الآن تحرس حدودها تحت جناح السرية خوفاً من حزب الله، وتنتظر بألم وقلق المفاجأة الإيرانية لها. والحال هذه، إن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغيرات إستراتيجية نحو السلام بإدخال إيران ضمن القوى الفاعلة في المنطقة، في قصد الحد من تأثيراتها السلبية على "إسرائيل".
لقد فهم الغرب من تجربته مع بن لادن أن ما يبدو مستحيلاً يصير ممكناً وأن التطور الحاصل على مستوى الرؤية الفكرية ذات البعد الديني، يحقق المآرب المنشودة أكثر بكثير من الرؤية العسكرية؛ فالأولى نتاج تراكم تاريخي وإنساني، والثانية نتاج تطور في اتجاه مادي، وهو ملك مشترك بخلاف الأولى.
لقد فهم الغرب أن الإيديولوجية أيا كان مصدرها مثل التكنولوجيا الأولى عبارة ً عن غسيل دماغ والثانية غسيل للأمعاء وأن التجارب أيضاً هي بمثابة صخرة الصلصال لا ينحت منها إلا من كان وارثاً لها.
إن الحقائق على أرض الواقع تغيّر الكثير من الاتجاهات، فالحقائق التي أوجدتها إيران في الميدان بمواقفها الصلبة وحزب الله في حربه الأخيرة مع "إسرائيل" غيّرت الكثير من المفاهيم الخاطئة التي كان ينظر بها الغرب إليهما، فضلاً عن حكام الخليج. بموازاة ذلك، إنّ الحقائق على الأرض التي رسمتها حرب غزة غيّرت أيضاً نظرة العالم إلى المقاومة الإسلامية بقيادة حماس، وأصبحت الآن جزءاً من المعادلة السياسية في المواجهة مع "إسرائيل" وجزءاً من الأطراف الفاعلة في أي حل للقضية الفلسطينية سياسياً أوعسكرياً.
شيء آخر... إنّ كل سياقات التاريخ تؤكد على أن المقاومة بكل أشكالها هي في النهاية الرابح الأكبر، فادعاءات "إسرائيل" واستعطافها كذباً - تحت مصطلح المحرقة- للعالم لستة عقود خلت، جعلها تنجح في بناء قوتها العسكرية لكن حروبها ليست مبينة على أهداف مشروعة ولا مساحة من التاريخ بل هي حروب توسعية منشؤها الخوف تارةً وتعطشها التاريخي لممارسة الإرهاب تارةً أخرى، وثالثاً خدمة لمن أنشأها قهراً. لذلك، إنّ أي مقاومة ولو بسيطة ستنتصر إن كانت بالطبع تأخذ من واقعها التاريخي وشعورها القومي كحال حزب الله ، وهذا ما حصل فعلاً في الحالتين لحد الآن: حالة المقاومة الإسلامية في لبنان وباتت غزة تؤخذ بالحسبان في أي مغامرة عسكرية صهيونية وقد عبّر الساسة الإسرائيليون عن قلقهم حيال الانكسار الإسرائيلي أمام حزب الله.
هناك معلومات إسرائيلية تقول إن معدلات الهجرة من "إسرائيل" إلى بلدان أخرى بدأت بالارتفاع وأن الهجرة إلى "إسرائيل" انكمشت إلى حد مقلق بالنسبة للساسة الإسرائيليين. هناك إذاً صراع على المستوى السياسي وآخر على المستوى الداخلي إن في "إسرائيل" أو في الغرب.
العالم إذاً أمام منعرجات قد تقوده إلى مرحلة ما بعد الحرب البادرة، بفلسفة عالم متعدد الأقطاب والسلام فيه للجميع، أو إلى أزمات أخرى تقود العالم إلى متغيرات دراماتيكية يخسر الغرب فيها كل ما بناه من سياسات في الشرق الأوسط أمام إيران، وتكون "إسرائيل" الأكثر تضرراً والأكثر ألماً؛ هذا هو واقع الحال اليوم بعد دخول روسيا الحرب ضد "داعش" وأخواتها في سوريا، ثم دخول الصين سياسياً إلى جانب روسيا وإيران.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/10/19