أين نحن في أجندة ادارة بايدن الجديدة؟
د. عبد الحي زلوم
كانت الانتخابات الأمريكية الأخيرة مثيرة وخصوصاً للعالم العربي الذي بهرته (الديمقراطية ) الأمريكية وأصبح البقّال وعامل النظافة يتابع تفاصيلها ويعرف كم صوت في المجمع الانتخابي لكل ولاية مع عدم اقتناعه للتصويت في انتخابات بلاده لعدم ثقته بنزاهتها، مع أن الانتخابات الامريكية كانت مسرحية مثيرة كلعبة كرة القدم بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة ، وهي في جوهرها بالنسبة لنا ليست اكثر من ذلك. نام أحبة ترامب على وجوههم بعد الاعلان عن خسارته ، وكاد كارهوه أن ينصبوا أقواس النصر ، فأين نحن من كل هذا ؟ إن حقائق موازين القوى على الأرض هي فقط التي تتحكم في النهاية في سياسات الدول ، أمّا التمني أن يأتي الفرج من هذا الرئيس أو ذاك فتلك بلاهة . ولكن سيكون الفرق شاسعاً في الأسلوب بين الرئيسين ترامب وبايدن وهو الفرق بين أسلوب رجل دولة مخضرم كبايدن خدم في الكونجرس 36 سنة ورأس لجنة العلاقات الخارجية الهامة ، وعمل نائباً لرئيس الدولة في مقابل رجل الأعمال الذي كوّن ثروته مع المافيا، ولا يعرف سوى القليل خصوصًا في السياسة الخارجية.
بيّنا أن بايدن عمل نائباً للرئيس أوباما ثمان سنوات فمعرفة أفكار وآلية اتخاذ القرارات في إدارة أوباما – بايدن تفيد إلى حد كبير على استقراء برنامج الادارة الجديدة مع الاشارة الى ان التغييرات في عالم اليوم تسير بوتيرة متسارعة لا تجعل إدارة بايدن استنساخاً لإدارة أوباما – بايدن.
مجلة الأتلانتك قدّمت في عدد شهر إبريل 2016 أطول تحقيق صحفي لسنوات حكم أوباما في السنة الثامنة والأخيرة من ولايته استغرق الصحفي المعروف (JEFFREY GOLDBERG) شهوراً بإعداد التقرير بعد قضاء الساعات مع أوباما في مكتبه وطائرته أثناء أسفاره ومع مستشاريه عبّر فيه عن كيفية معالجة الأحداث التي مرّت على إدارته بكثيرٍ من الشفافية أجد من المفيد إلقاء الضوء عليها خصوصاً ما يهمّ منطقتنا.
**
القضية الفلسطينية :
لربّما الثابت الوحيد في الرئاسات الأمريكية كلها هو دعم دولة الاحتلال في فلسطين سياسياً وعسكرياً و الاختلاف فقط في نظرتها الى اين مصلحة اسرائيل هل هي مع اليمين المتطرّف الذي تُؤدّي سياسته لدولة أبارتايد غير قابلة للعيش، أم دولتين تكون السيادة المُطلقة لأحدها والسيادة المنقوصة للأخرى ؟ كان هذا هو الاختلاف الجوهري بين نتنياهو وأوباما بالإضافة أن الكيمياء كانت مفقودة بين الرجلين. ولكن بالرغم من ذلك كانت إدارة أوباما أكثر الإدارات الأمريكية دعماً عسكرياً ومالياً لاسرائيل. لا ينسى أوباما فضل أستاذته اليهودية في جامعة هارفرد التي عرّفته على والدها المسؤول الكبير في الحزب الديمقراطي والذي تولى رعاية أوباما حتى أوصله إلى البيت الأبيض. لم يكن غريباً إذا ما قاله أوباما لجولدبيرج : ” سأكون ساقطاً اخلاقياً لو لم ادافع عن اسرائيل ” ، أمّا بايدن فما كان ليبقى 36 شهراً في الكونغرس لا 36 سنة بدون دعم اللوبي الصهيوني .
بعد مماطلة نتينياهو بالدخول في موضوع الاجتماع مع أوباما والذي كان عن محادثات السلام قال أوباما لنتنياهو : ” اسمع يا بيبي ، عليك أن تفهم شيئاً ، أنا امريكي افريقي ، ابن امرأة تركها زوجها وأنا اليوم اسكن في هذا البيت ، البيت الابيض ، وتمكّنْت أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة، أتظن أني لا افهم ما أنت تريده؟ أنا أفهمه.”
وبالرغم من ذلك فعل نتنياهو ما أراد ، ولم يستطع اوباما ان يجبره أن يغير من أجندته شيئاً . هل لي هنا ان استنتج ان تغيير الحقائق على الارض بواسطة المقاومة المسلحة و غير المسلحة ووقف خدمة الاحتلال والتنسيق الأمني معه وحل السلطة هو الطريق لأخذ الحقوق وليس عبر واشنطن أو غيرها ؟ من المفيد أن انوّه هنا ان ممارسات غير الامناء على قضية الشعب الفلسطيني الذين فاوضوا باسمه وخانوه في أوسلو هو الذي فتح باب التطبيع من أوسع أبوابه، بل هو من شجّع الكونغرس بعد اتفاق أوسلو مباشرة بإصدار ما تمّ تسميته (قانون نقل السفارة الأمريكية للقدس ) حيث صوّت الكونغرس لذلك القانون بتاريخ 8 نوفمبر 1995 ، وكانت الادارات الأمريكية تطلب فقط حين دخولها إلى البيت الابيض تأجيل تنفيذ القرار لوقت مناسب. ما فعله ترامب كان اعتباره أن الوقت اصبح مناسبًا لتنفيذه ! بعد أوسلو بشهور بدأ المطبعون العرب يخرجون من السرية إلى العلن كما طبّع نصف سكان الكرة الأرضية مع إسرائيل بما في ذلك الصين والهند !فهم قالوا نحن لسنا فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين أنفسهم الذين اعترفوا بإسرائيل.
أمّا سلطة أوسلو فسوف تهرول على بطنها لمفاوضات عبثية جديدة لمدة 25 سنة أخرى في أول إشارة لها لفعل ذلك ،فهي إمّا أنها لا تتعلم مع التكرار الذي يُقال أنه يعلم حتى الحمار ، أو أنها تقوم بوظيفة مدفوعة الأجر ، ولا يمكن اعفاء جماهير الشعب من المسؤولية فأول واجباتهم يجب أن يكون تكنيس عصابة اوسلو إلى مزبلة التاريخ. أغلب الظن أن إدارة بايدن ستعيد طرح فكرة الدولتين وستهجر سلطة أوسلو تواصلها مع المقاومة الفلسطينية.
**
نظامنا العربي في عيون الإدارات الأمريكية :
هذه الاقتباسات التي سأوردها تعبّر تماماً عن مفهوم ازدراء الإدارات الأمريكية للنظام الرسمي العربي:
كان أوباما في بداية ولايته يعتقد امكانية اصلاح النظام الرسمي العربي كما عبّر عن ذلك في خطابه بالقاهرة الا انه بعد إخفاقات الربيع العربي والحروب الاهلية وصل الـى قناعة بأن النظام العربي لا يمكن اصلاحه، فالانقسام القبلي في ليبيا مثلًا كان اعمق مما قدرته المخابرات الأمريكية ، وسوريا يمكن أن تكون مصيدة كعراق آخر . حذّر نائب الرئيس بايدن رئيسه أوباما من الانزلاق في حرب أخرى في سوريا بعكس وزراء الخارجية وخصوصاً هيليري كلينتون والتي وصفها بايدن بأن همها الأكبر أن تصبح شبيهة بجولدا مائيير.
في طائرة الرئاسة في الطريق إلى كوالالمبور سأل جولدبيرغ أوباما إن كان هناك ما يسرّه عن العالم العربي فأجاب أوباما:” لا أظن أن احداً يــشعر بارتياح على أحوال الشرق الاوسط، فهناك الدول التي لا تستطيع أن تُقدّم التقدم والفرص لشعوبها ، وهناك الأيديولوجيات العنيفة، و هناك بلدان تَخْلوا من مؤسسات مجتمع مدني ، وهناك الانظمة الدكتاتورية ، والقوة التنظيمية الوحيدة هي الطائفية والقبلية .
قال أوباما ان القبلية هي أحد أكبر قوى التدمير للشرق الأوسط وهي قوة لا يستطيع أي رئيس أمريكي أن يعالجها، والقبلية هي من تُجْبر اللجوء إلى الهويات الفرعية من طائفية ومذهبية وعائلية ويتجلى ذلك بوضوح في الدول الفاشلة. “
**
العلاقة مع السعودية:
لم يكن هناك حُب مفقود بين أوباما والسعودية. بعد فوز ترامب في الانتخابات وفي الفترة الانتقالية قبل تسلّمه السلطة زار أوباما الرياض في آخر أيام رئاسته، وقام الملك سلمان بإرسال أمير الرياض لاستقباله بالمطار ذلك لأن هناك ود مفقود بين السعودية وأوباما حتى قبل استلامه الرئاسة. ففي خطاب لأوباما سنة 2002 في تجمُّع بشيكاغو ضد توجه بوش لغزو العراق قال فيه أوباما :” أتريد حرباً يا مستر بوش؟ دعنا نبدأ نحارب لنجعل — من نسميهم حلفاؤنا السعوديون والمصريون التوقف عن اضطهاد شعوبهم وتغاضيهم عن الفساد واللامساواة” .
**
العلاقة مع الزعماء العرب:
كان تاريخ 30 أغسطس2013 مفصلياً حين قرر أوباما وقف خطة ضرب سوريا لانها استعملت السلاح الكيماوي وبادل الضربة بقبول سوريا تسليم مصانع ومخزون أسلحتها الكيماوية ما أغضب ماكنة اللوبي الصهيوني ، ولكن مفاجئة أوباما ان قراره اغضب حلفاء الولايات المتحدة العرب الذين كانوا يتلهفون لضرب سوريا . عن ذلك جاء في تقرير الاتلانتك ” كان ولي عهد أبو ظبي أصلاً يغلي غضباً من أوباما لانه تخلّى عن حسني مبارك حيث صرّح لبعض زواره الأمريكيين ان الولايات المتحدة يقودها اليوم رئيس لا يمكن الوثوق به. أمّا الملك الاردني والذي كان مستاءا من إبعاد أوباما للولايات المتحدة عن حلفائها السنة، والتقارب مع إيران حليفة الاسد، فقال (يبدو لي أنني اؤمن بقوة امريكا أكثر من أوباما نفسه) . في اجتماع لاحق قال أوباما لملك الاردن، اذا كان لديك ما تقوله فقله لي مباشرة ، فأجابه الملك انه لم يتكلم عنه بأي سوء.”
العلاقة مع إيران :
يقول أوباما ” أن إيران منذ سنة 1979 أصبحت عدوةً للولايات المتحدة ومارست أعمال إرهاب الدولة ، وهي تهديد حقيقي لإسرائيل والعديد من حلفاءنا ، ولها ممارسات هدامة عديدة ، ولم تكُن وجهة نظري أبداً أن نرمي حلفاءنا التقليديون السعوديون واستبدالهم بايران. لكن على السعوديين أن يقبلوا مشاركة إيران معهم للشرق الأوسط . إن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين في الشرق الاوسط قد أشعلت الفوضى . والمنافسة بين السعودية وإيران قد أشعلت الحروب بالوكالة وجلبت الفوضى في سوريا والعراق واليمن مما جعلنا نقول لأصدقائنا السعوديين وكذلك الإيرانيين أن عليهم إيجاد نوع من السلام البارد مع بعضهما لتقاسم النفوذ في دول الجوار بالشرق الاوسط. الخيار الآخر أن نقول لأصدقائنا السعوديين انكم على حق وإننا معكم فتتطور الأمور إلى حرب لا يستطيع أصدقائنا ربحها مما يضطرنا إلى التدخل وليس في ذلك مصلحة لنا ولهم ولا للشرق الأوسط. ” علماً بأن أوباما اقترح بأن الخطر على السعودية لا يأتي من إيران وإنما من الداخل من شباب عاطلين عن العمل وفروقات فاحشة في الثروات.
سوف يعيد بايدن العمل بالاتفاق النووي وستكون سياسته بالنسبة إلى دول الخليج وإيران تقريباً كما جاء في الاقتباسات عن أوباما في الفقرة السابقة. سيخطئ بعض المطبّعين الجدد باعتبارهم أن إسرائيل يممن أن تكون بديلًا عن الولايات المتحدة لحمايتهم في الوقت الذي تحتاجه هي من يحميها.
**
نحن وأمريكا والعالم إلى أين:
يمرّ العالم اليوم بمرحلة حرجة في تاريخه حيث أن الانقسام العميق في الولايات المتحدة قد أخذ مسارًا خطرًا بين رئيس غريب الاطوار ، قليل الخبرة، خطر على شعبه وعلى العالم بقي لمدة ولايته 70 يومًا يقوم خلالها بحركات مشبوهة في غير موضعها يائسة ومجنونة قد تشمل هذا الأسبوع تحضيرات لعمل عسكري علني أو سري ضد ايران . فطرد وزير دفاعه وقام باستبداله بآخر لم يصل الا إلى رتبة كولونيل في فرقة القوات الخاصة للعمليات السرية وأرسل من تصفه جريدة هآرتس الاسرائيلية بالمتطرف الصهيوني إيليوت ابرامز لإسرائيل والسعودية ، وإرسال الصهيوني المسيحي المتهور بومبيو وزير الخارجية هذا الاسبوع الى اسرائيل والسعودية والامارات . والغريب وصف بومبيو بدون حياء ان أجندة رحلته هي لتقوية (الدفاع عن اسرائيل) مع دول الخليج! . فهل تسمح الدولة العميقة لترامب بالاعمال المتهورة أم ستطوّق تلك الخطط قبل حدوثها؟
انتهت الأحادية الأمريكية في العالم وتتسارع عملية انحدارها. هل سيكون للولايات المتحدة رئيسان في وقت واحد؟ لن يكون ذلك ، ولكن لهذا دلالاته وهو علامة على زيادة الهوّة والانقسام في الداخل الامريكي وهذا أيضاً من علامات انحدار الإمبراطوريات .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/11/13