نتنياهو فعلها وترامب باركها.. أين سيكون الردّ وكيف وهل يتطوّر إلى حرب؟
د. عصام نعمان
قبل 55 يوماً من انتهاء ولاية دونالد ترامب الرئاسيّة في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، فعلها بنيامين نتنياهو. أمَرَ باغتيال العالم البارز محسن فخري زاده، رئيس مؤسسة البحث والتطوير العلمي ومساعد وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي. العملية الاستخبارية المدوّية نُفذت على مقربة من طهران العاصمة وخلّفت أصداء ومخاوف واسعة في كلّ أنحاء العالم.
كبار القادة الروحيين والسياسيين والعسكريين الإيرانيين حمّلوا «اسرائيل» المسؤولية عن الجريمة النكراء، وتوعّدوا بالرّد. اللافت بين ردود هؤلاء أربعة:
تأكيدُ المرشد الأعلى السيد علي خامنئي على وجوب ملاحقة ومحاسبة ومعاقبة كلّ الضالعين في عملية الاغتيال.
قولُ رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني «إنّ الثأر حتميّ وسيكون في الزمان والمكان المناسبين».
توعّدُ رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف جميع الجهات التي سيشملها الردّ بقوله: «انتقامنا سيشمل كلّ مَن نفّذ ووقف خلف اغتيال محسن فخري زاده».
تهديدُ رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء محمد باقري بأنّ «انتقاماً صعباً سيكون في انتظار المجموعات الإرهابيّة وقياداتها المسؤولة، ولن نتوانى عن مطاردة ومعاقبة المسؤولين عن هذا الاغتيال».
خطورة عملية الاغتيال وتوقيتها طرحا جملة أسئلة:
مَن هم وراءها؟ وهل من دور للولايات المتحدة فيها؟
ما هدفها النهائي؟
أين يمكن أن يكون موقع الردّ الإيرانيّ المنتظر، ومتى؟
هل يمكن أن يجري الرّد في عمق «إسرائيل»؟
هل يمكن أن يشمل الرّد قواعد عسكرية أميركية في المنطقة؟
ثمّة مؤشرات الى أنّ لرئيس حكومة العدو نتنياهو صلة مباشرة بالعملية. فقد سارع بعد انتشار خبرها الى التغريد عبر «تويتر»: «أنا أريد أن أشارككم قائمة أمور قمتُ بها هذا الأسبوع، وهي قائمة جزئية لأنني لا أستطيع أن أقول لكم كلّ شيء». كما سارعت وسائل الإعلام العبري الى التذكير بأنّ نتنياهو كان ذَكَر اسم العالم الإيراني المغدور فخري زاده في أحد خطاباته التهديديّة بقوله: «تذكّروا هذا الاسم جيداً: فخري زاده».
مــن الواضــح أنّ ترامب كــان على علــمٍ بتنفــيذ عمليــة الاغتيال. فهو بادر فور انتشار خبــرها الى إعادة نشــر تغريدة لصحافي «إسرائيلي» حول دور «إسرائيل» فيها وباركه. غير أنّ الأمـــر الأوضـح هو ما نقلته صحيفــة «نيويورك تايمز» عن لسان مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية C.I.A. بأنّ عمليــة الاغتيال هي جهد إسرائيلي – أميركي مشترك.
أما الهدف النهائي للعملية، فالأرجح أنه لوضع إدارة الرئيس جو بايدن أمام أمر واقع وراسخ هو صعوبة تنفيذ وعده بعودة بلاده الى الاتفاق النووي الذي كان ترامب قد سحب أميركا منه. كما يمكن إدراجه في خانة سعي «إسرائيل» المتواصل لتقويض قدرات إيران والحؤول دون امتلاكها سلاحاً نووياً. في هذا السياق، فإنّ إقدامها على اغتيال فخري زاده (الذي تُطلق عليه وسائل الإعلام العبريّ لقب «أبو القنبلة النووية الإيرانية») يمكن اعتباره ترجمة لظنّها أن تغييبه يؤدي الى تعطيل او على الأقلّ إضعاف البرنامج النووي الإيراني وكذلك برنامجها الصاروخي الباليستي الذي لفخري زاده إسهام كبير في تطويره.
أين يمكن أن يكون مكان الردّ الإيراني؟ يصعب التكهن، لكن يمكن الاستدلال عليه من وقائع ردّ إيران على عملية اغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، إذ حرصت طهران على ضرب قاعدة الأسد الاميركية في العراق لكون اغتيال سليماني وقع على مقربة من مطار بغداد. في ضوء ذلك يمكن التكهّن بأنّ ثبوت دور «إسرائيل» في اغتيال فخري زاده سيدفع طهران الى الرّد بضرب موقع في عمقها. وإذا ما ثبت انّ للولايات المتحدة دوراً في عملية الاغتيال فإنّ ايران قادرة على أخذ ثأرها في أيٍّ من قواعدها المنتشرة في بلدان الخليج ناهيك عن العراق وسورية وأفغانستان.
متى يكون الرّد؟ في الوقت المناسب، قال الرئيس روحاني. ولعلّ الوقت الأنسب هو قبل أو بعد ساعات معدودة من موعد انتهاء ولاية ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل.
الى ذلك، ينهض سؤال ملحاح: كيف سيكون حجم الرّد الثأري الإيراني ومستواه، وهل سيكون متناسباً مع حجم عملية اغتيال فخري زاده أم غير متناسب معها بالنظر الى الأهمية البالغة للعالم الإيراني البارز؟
أستشفُّ من منطوق تصريحات القادة الإيرانيين، وخاصةً تصريح رئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، أن ردّ ايران لن يكون تقليدياً ومتناسباً، ولعلي أميل الى الاعتقاد بأنه سيكون غير عادي وغير متناسب، كأن يستهدف منطقة الجولان السوري المحتلّ، حيث لـِ «اسرائيل» قواعد عسكرية ومستوطنات مسلّحة متعددة تنطلق منها غالباً اعتداءاتها الصاروخية المتكررة على مواقع الجيش السوري جنوب دمشق وعلى مواقع تزعم تل أبيب أنها لقوات عسكرية إيرانية في سورية.
الانتقام من «إسرائيل» في الجولان المحتل يُنتج خدمةً مزدوجة لإيران وسورية معاً.
فهو المكان الأقلّ استثارة لردود فعلٍ سلبية من حلفاء «إسرائيل» وأصدقائها لكونه أرضاً محتلة ألحقتها بكيانها خلافاً لأحكام القانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.
الانتقام من «إسرائيل» في الجولان المحتلّ ليس خياراً مستبعَداً. ومع ذلك، يبقى التساؤل وارداً حول ما إذا تتأتى عن تنفيذه ردود فعلٍ قوية من جانب «إسرائيل» وأميركا قد تتطوّر تالياً الى حرب إقليمية شاملة؟
إنها حربٌ تنطوي على صراع إرادات وليس على صراع موازين قوى فحسب.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/11/30