القمة الإسلامية في اسطنبول
قاسم حسين ..
في نهاية كلمته التي افتتح بها القمة الإسلامية في اسطنبول، وجّه وزير الخارجية المصري سامح شكري التحية «إلى الشعوب الإسلامية داعياً الله عز وجل أن يعلي من شأن أمتنا وأن يهدينا إلى طريق الحق والصواب».
في هذه اللحظة، انتقلت الكاميرا مباشرةً إلى حيث كان يجلس الرئيس التركي المضيف، رجب طيب أردوغان، حيث بدا على وجهه التجهّم بشكل لا تخطئه العين، وأخذ يتشاغل بجهاز الكتروني صغير بين يديه.
الوزير المصري انتقل إلى البند الخاص بهيئة المكتب، حيث أعلن تركيا رئيساً، وفلسطين وبوركينا فاسو وجيبوتي نواباً للرئيس، ومصر مقرراً للجنة. ووجّه الشكر والتحية لجميع الدول التي تعاونت مع مصر خلال فترة رئاستها للقمة الإسلامية، معلناً انتقال الرئاسة إلى تركيا، ثم نهض وأدار وجهه بسرعة وغادر المنصة.
في هذه اللحظة انتقلت الكاميرا لتصوير المندوب المصري، حيث بدا متبسماً، وقد مال إلى يساره حيث يجلس المندوب الماليزي، وتبادل معه حديثاً هامساً باسماً. وتابعت الكاميرا أردوغان وهو يغادر مقعده، ويتوجّه إلى المنصة ليأخذ مكان الرئيس، وقد سيطرت على وجهه أمارات التجهم والعبوس.
لقد عكست هذه الافتتاحية واقع الأمة المتردي، التي كانت تجتمع كل بضع سنوات، خصوصاً عندما تدلهم حولها الخطوب. وكثيراً ما كانت تجتمع حول فلسطين لإظهار تضامن الأمة الإسلامية مع هذا البلد المحتل منذ العام 1948، وقد كانت انطلاقتها الأولى ردّ فعلٍ على حرق اليهود المسجد الأقصى في 1969، حيث اجتمعت في المغرب وتبنّت فكرة الدفاع عن «شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس المحتلة».
أما اليوم فلم تعد فلسطين تمثل هماً أو أولويةً على قائمة الهموم الإسلامية. لقد تحوّلت «إسرائيل» التي تحتل الأرض المقدسة منذ 68 عاماً وتهجّر أهلها وتذبّح شبابها، إلى جارٍ مأمون الجانب.
كانت فلسطين توحّدنا، واليوم لم تعد على جدول همنا واهتماماتنا، وبينما كان آباؤنا يتظاهرون في الخمسينيات والستينيات ضد المذابح التي يرتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين، وكنا نقرأ عنها ونستهولها. كل تلك الفظاعات أصبحت شيئاً لا يذكر بعد دخول العالم العربي في مرحلة «الفوضى الخلاقة»، التي بشّر بها الأميركان قبل عشرة أعوام، وكانت أول مخاضاتها حرب تموز. ووجدوا لهم جنداً مجنّدين، يستقطبونهم من ثمانين دولة عبر العالم، للقتال نيابةً عنهم وتنفيذاً لأجنداتهم في تمزيق العالمين العربي والإسلامي، دون أن يدفعوا بجندي أميركي واحد لمباشرة القتال.
القمة الحالية، وضعت قضية فلسطين في مقدمة جدول الأعمال، لكن جميع الشعوب العربية تدرك أنها محاولة جديدة لاستحلاب ضرع جفّ حليبه لكثرة ما استُحلب. الجميع يدرك أن وضع هذه القضية على طاولة القمة لم يكن جاداً، فالدولة المضيفة كانت قبل أيام تسعى جاهدةً لإعادة العلاقات مع «إسرائيل»، وكانت توشك على الإعلان عن التطبيع. ولا تُلام أيّ دولةٍ على الدفاع عن مصالحها، لكن قضية فلسطين عُصرت حتى جفّت فلم تعد قابلةً للمزيد من العصر.
قمة اسطنبول، حضرها ثلاثون من رؤساء الدول والحكومات من مجموع سبعة وخمسين دولة إسلامية، وهو ما يقارب نصف النصاب، في ظل موجةٍ جامحةٍ من الإرهاب الذي سفك دماء عشرات الآلاف من العرب والمسلمين، ويهدّد بتقويض أمن العالم الإسلامي وتقديم نموذجٍ لقيطٍ مشوّهٍ للإسلام.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/04/17