السقوط المتوالي في التطبيع وحتميّة اشتعال المقاومة…
د. جمال زهران
أخيراً سقط النظام المغربيّ في مربع «التطبيع»، مع الكيان الصهيونيّ، رسمياً، وإنْ كان ليس بجديد! فالجديد هو الإعلان الرسمي بفجور عن إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة وافتتاح قنصلية للكيان الصهيوني في العاصمة المغربية، وذلك برعاية أميركية في أواخر أيام ترامب الصهيوني الذي لم يكن متصوّراً أن يغيب شمسه عن المشهد، ويصرّ على الاستمرار في الإعلام حتى آخر لحظة! تلك هي العاصمة العربية الرابعة التي أسقطها ترامب في أحضان النتنياهو الصهيوني، وهي عواصم الإمارات والبحرين والسودان ثم المغرب! فضلاً عن الإسقاط التدريجيّ لسعودية محمد بن سلمان، بذلك اللقاء الثلاثي بين (ابن سلمان ونتنياهو ومومبيو) في منطقة «نيوم»!! كما أن الأبواب مفتوحة بين الكيان الصهيوني وكلّ من سلطنة عُمان، وقطر، ولا يتبقى من دول الخليج سوى الكويت التي ندعو الله أن يمنحها القدرة على الصمود في مواجهة الضغوط الحقيرة والقذرة لإجبارها على الدخول في مربع القطيع الذي يمنح الكيان الصهيوني صكوك الشرعيّة بالمجان، وعلى حساب القضية الفلسطينية.
إنّ هذا التطبيع المجانيّ بالضغوط الأميركية في عهد ترامب وفي اللحظات الأخيرة، وهو مترنّح تارة لمحاولة مساندته وإنقاذه قبل الانتخابات، وهو ساقط ومنهزم في الانتخابات الأميركيّة رسمياً، ويلعب في الوقت الضائع، تارة أخرى، بهدف تأكيد صهينته من جانب، ووضع العراقيل أمام الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، لغلق المنافذ أمامه، وإعاقة مبادراته في التعاطي مع المنطقة ومع هذا الملف تحديداً، ومحاولة لإنقاذ النتنياهو، وحكومته، وحزبه في الانتخابات البرلمانية المقبلة (الرابعة)، وأرى أنها كلها رهانات خاسرة.
من ناحية أخرى، فالنظام المغربي هو عراب التطبيع من البداية. وهنا أذكركم بأنّ قصر الصخيرات في العاصمة المغربية، شهد اللقاءات الأولى بين الممثل الشخصي للرئيس أنور السادات (حسن التهامي)، وبين موشي دايان (وزير الدفاع الصهيوني آنذاك)، للتمهيد والتباحث على الخطوات التالية لإعلان الرئيس السادات عن زيارة «إسرائيل».
وتكرّرت اللقاءات مرتين أو ثلاثاً، حسبما ورد في حديث التهامي لمجلة المصور المصرية بعد اغتيال السادات، بينما ذكرت تفصيلاً في كتاب لأحد الكتاب الصهاينة بعنوان: عام الحمامة (The year of Dove)، وسمّاه في الكتاب (عام الاستسلام المصريّ لإسرائيل). كما تمّت هذه اللقاءات برعاية الملك الحسن شخصياً وعبر قنوات القصر الملكي والرئاسة المصرية، وذلك في الشهرين السابقين على إعلان السادات عن استعداده لزيارة أيّ مكان في العالم بما يجلب السلام ويحلّ الصراع العربي «الإسرائيلي»، والقضية الفلسطينية، حتى ولو «الكنيست» نفسه!
ومن ثم ليس بجديد أن يتمّ ذلك مع المغرب وسقوطها في مربع التطبيع، ولكن الغريب هو أن تظلّ المغرب وملكها، هي المسؤولة عن ملف القدس داخل جامعة «النظم» العربية، وهو الأمر الذي أدّى إلى الضياع العمدي بالمؤامرة من المغرب والجامعة العربية للأسف! كما أنّ هذه اللجنة (لجنة القدس)، لم تجتمع مرة واحدة، باستثناء ما تمّ في بداية تكوينها، وكأنّ الجامعة أحالت الملف إلى لجنة برئاسة المغرب، للتفريط الرسمي في القدس (أولى القبلتين وثالث الحرمين)!
كما نتساءل: أين لجنة المقاطعة العربيّة للكيان الصهيونيّ في الجامعة العربية؟!
الآن المشهد أصبح واضحاً، حيث تسقط عاصمة عربية في أحضان الكيان الصهيوني كلّ «يوم» – بلا مبالغة. فمنذ اتفاقية كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الصهيونية في مارس 1979، وخلال (43) عاماً، فقد سقطت القاهرة، وعمّان، ثم اتفاق أوسلو وسقوط المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية تحت شعار سلطة وهمية اسمها السلطة الفلسطينية، ثم تتابعت العواصم العربية، (موريتانيا – الإمارات – البحرين – السودان – المغرب)، ومعها سقوط عواصم دول عُمان وقطر والسعودية ولو بشكل غير رسمي، ولكن هناك علاقات فعلية، ليصبح نصف الوطن العربي في أحضان الصهيونية وبالرعاية والحماية الأميركية. (11 دولة عربية بما فيها السلطة الفلسطينية في مقابل 11 دولة عربيّة لم تسقط بعد)، وهو شيء مؤسف بطبيعة الحال. إذن: السؤال هو: ماذا بعد؟! هل ننتظر كلّ يوم سقوط عاصمة عربية، يتوازى معها التفريط في القضية الفلسطينية، وفي القدس، وفي الصراع العربي الصهيوني… بصورة تصل وبلا مبالغة إلى أنّ الكيان الصهيوني حقق مراده وأصبح مشروعه من النيل إلى الفرات واقعاً حقيقياً بكلّ أسف، خاصة بعد تعطل الدور المصري تماماً، حتى وصل إلى تقديم التهاني لكلّ من يسقط في مربع التطبيع، ويعتبره انتصاراً لعملية السلام والاستقرار في المنطقة.
ولا شكّ في أنّ سقوط اللاءات الثلاث التي أطلقت من الخرطوم – عاصمة السودان، في اجتماع القمة العربية في أغسطس 1967، وهي: (لا للصلح ولا للتفاوض ولا للاعتراف)، كانت هي الأكثر إيلاماً في الاندفاع والسير في طريق القطيع نحو التطبيع المجانيّ والتآمريّ مع الكيان الصهيوني.
لذلك، فإنه لم يعد من خيار الآن سوى استعادة الزمام في إدارة الصراع العربي الصهيوني، عن طريق المقاومة بكافة صنوفها، وفي المقدّمة المقاومة المسلحة. ونرى أنّ التنشيط التدريجي للمقاومة في الأرض المحتلة في كلّ أنحاء الكيان الصهيوني، والمواجهة مع العدو الصهيوني ومن يدعمه من دول كبرى استعمارية أساساً، بكلّ سبله التي يستخدمها. فالعين بالعين والسنّ بالسنّ، فالاغتيال بالاغتيال والخطف مقابل الاعتقال، ولا بديل عن ذلك. فليس معقولاً أن يستمرّ هذا الوضع من دون تغيير على الأرض. وما لم تنشط المقاومة وبكلّ السبل، فمن الصعب – إن لم يكن من المستحيل – أن نرى صورة إيجابية، إلا بالقدر. ولا ننسى ما قاله المولى عزّ وجلّ:
«إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.. (صدق الله العظيم).
لم يعد الكلام… وكلّ وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي سبيلاً صالحاً لمواجهة العدو الصهيوني، وضرب المشروع الأميركي الصهيوني، ولم أعد أرى خياراً غير المقاومة في كلّ الأراضي المحتلة صهيونياً، في الجولان، ومزارع شبعا، وكلّ الأرض الفلسطينية، وعلى الظالم تدور الدوائر بالمقاومة، وبإذن الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/12/16