الانتخابات النيابية تحيي موضوع المرأة العربية
علي محمد فخرو
هذا التراجع في منح المرأة العربية حقها في لعب دور فاعل في الحياة السياسية البرلمانية العربية، كما أظهرته مؤخرا نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأردن والكويت، على سبيل المثال، يحتاج إلى مراجعة متأنية لفهم أسبابه ودلالاته. فالنتائج المحبطة، التي وصلت إلى مستوى الكارثة السياسية في انتخابات الكويت، كانت عكس ما كان منتظرا، وضد تفسيرات واستشرافات علماء الاجتماع العرب منذ بضعة عقود بشأن المرأة العربية.
فعالم الاجتماع العربي الشهير الدكتور حليم بركات كتب منذ أربعين سنة، أن المتغيرات الأساسية التي تنتج وتفسر مكانة المرأة الدونية في المجتمعات العربية هي النظام المجتمعي العام السائد، ونوعية البنى الاجتماعية، وطبيعة توزيع العمل ومدى المشاركة في عمليات الإنتاج. وأن تلك المتغيرات الاجتماعية ـ الاقتصادية لها تأثيراتها في نوع تجليات الثقافة السائدة، مثل المعتقدات الدينية ـ والأعراف القبلية والتقاليد العائلية، وكذلك تأثيراتها في الأوضاع النفسية للمرأة. والنتيجة لتفاعلات كل تلك العناصر في المجتمعات العربية، تقود لأن تكون مكانة المرأة العربية دونية. ولا تتغير مكانة المرأة، حسب عالمنا حليم بركات، إلا إذا تغيرت أولا أوضاع المتغيرات الأساسية الاجتماعية ـ الاقتصادية الأربعة.
التراجع في منح المرأة العربية حقها في لعب دور فاعل في الحياة السياسية البرلمانية العربية، يحتاج إلى مراجعة متأنية لفهم أسبابه ودلالاته
لو راجعنا مسيرة المرأة العربية عبر الأربعين سنة الماضية، لتبين لنا حدوث تغيرات هائلة في تفاصيل تلك المسيرة، فالازدياد الكبير المتنامي في عدد الإناث الملتحقات بالتعليم العام، والتعليم الجامعي، أوجد كتلة عمالة نسائية في أغلب التخصصات والمهن.. وزادت أعداد النساء الملتحقات بمختلف قطاعات الإنتاج والخدمات، الأمر الذي عزز مكانتهن الاجتماعية في الأسرة والحياة العامة. اليوم لا توجد ساحة نشاط اقتصادي إنتاجي، أو ساحة نشاط خدمي اجتماعي، إلا وتوجد فيه المرأة العربية. وقد أظهرت الحراكات الجماهيرية والثورية، التي عمت الكثير من مدن الوطن العربي عبر العشر سنوات الماضية حضورا واضحا للمرأة العربية في النضال السياسي، إضافة لتبوء المرأة العربية مراكز سياسية رسمية كثيرة، مثل الوزارات والإدارات والسفارات وغيرها. إذن فمتطلب حدوث تغيير كبير في المتغيرات الأساسية الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية، التي ذكرها حليم بركات قد تمّ بشكل كبير وعميق.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تستطع تلك التغيرات المجتمعية الجديدة، أن تحدث فعلها في المتغيرات الوسطية الثقافية (المعتقدات الدينية والأعراف القبلية والتقاليد العائلية) بحيث يؤدي هذا إلى تغيير مكانة المرأة العربية الدونية السابقة، وبالتالي تحسين فرصها في النجاح في الانتخابات البرلمانية؟ أليس الفشل الذريع في الانتخابات دليل على أن التأثيرات الثقافية في الرجل العربي كانت سطحية ومظهرية، وأن التخلف الثقافي بالنسبة لنظرة الرجل العربي للمرأة لا يزال قويا وعميقا؟ ألا يعني أيضا أن كل تلك التغيرات الاجتماعية ـ الاقتصادية في حياة المرأة العربية واستقلالها الاقتصادي الواضح، وتحسن مكانتها الاجتماعية لم تفلح في تغيير الوضع النفسي للمرأة العربية نفسها، بحيث يقنعها بالتصويت لأختها في الانتخابات النيابية، وعدم الخضوع لاعتبار نفسها واعتبار أخواتها في مكانة دونية لا ترقى إلى لعب دور في الحياة السياسية التشريعية؟ إذا كان بروز المرأة العربية المبهر في الحياة الفكرية والأدبية والفنية، وفي الحياة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية الأساسية، وفي الحياة السياسية النضالية الجماهيرية، لم يستطع أن يغير الصورة النمطية المتخلفة للمرأة العربية، ويفسح المجال لها لتكمل مسيرتها الحضارية، التي بدأتها منذ أوائل القرن الماضي، وضحّت بالكثير من أجل الوصول إلى المستوى نفسه الذي وصل إليه الرجل العربي، إذا كان هذا يحدث أمامنا في حقل الانتخابات، فإنه يحدث في حقول كثيرة أخرى.
والسؤال هو: ما العمل إذن؟ وهل هو واقع خارج قناعات الرجل العربي والمرأة العربية التاريخية المتخلفة الجذرية؟ وإذا كان الجواب (نعم) هل يقبع الجواب في الالتجاء إلى القوانين والدساتير ونظام المحاصصة، من أجل كسر الحلقة التي تدور حول نفسها، من أجل عدالة المساواة في الفرص الحياتية في ما بين المرأة العربية والرجل العربي؟ ترك الأمر للقول الشهير «وفي هذا فليتنافس المتنافسون» لن يستطيع مغالبة تراكم تاريخي هائل وعنيد في مجالات الثقافة على الأخص. المرأة العربية المبهرة المبدعة والمظلومة تستحق أكثر من ذلك.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2020/12/17