أولويّات بايدن لدعم الحصريّة القطبيّة لبلاده
د. وفيق إبراهيم
يعرف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن ولايته الرئاسية هي مرحلة تكريس لتعددية قطبية جديدة تقود العالم، وهذا يفرض عليه حلاً من اثنين: مواجهة هذا الاحتمال بكل ما يعنيه من اضطرابات عنيفة في العلاقات الدولية، او القبول به إنما في إطار تقدّم بلاده الأميركية على شركائها الجدد في معادلة الأقطاب وهما على أقل تعديل الصين وروسيا.
يبدو ان بايدن خبير في السياسات الدولية منذ مرحلة الرئيس السابق اوباما ومتخصص ايضاً في ضبط مكامن الخلل التي تؤدي الى تراجع بلاده، فإذا كان عاجزاً عن ضبط التطور الصيني او التدحرج الروسي، فإنه قادر على تحديد الحاجات الأميركية لتمتين قوتها القطبية.
فالأميركيون يجسّدون حتى اليوم القوة العالمية الأولى اقتصادياً، ويمتلكون أوسع انتشار عسكري في التاريخ خارج بلدهم متجسداً في 800 قاعدة تتوزّع في زوايا الارض والفضاء.
وهم الأكثر نشراً لثقافتهم في الإعلام والأفلام، الوحيدة القابلة للتقليد، هذا دون نسيان شبكة تحالفاتها العالمية التي تشبه أشكال الوصايات على الخارج.
هناك نقطة إضافية يعتبر بموجبها الأميركيّون أن تراجعهم الاقتصاديّ بسبب جائحة الكورونا يشمل ايضاً منافسيهم في الصين وروسيا، ما يجعل التنافس الدولي مشابهاً لما كان عليه قبل انتشار هذا الوباء.
بداية، لا شك في أن «اسرائيل» والخليج يشكلان محوراً أميركياً في قلب الشرق الأوسط، وتعتبرهما سياسات بايدن جوهرة التاج الأميركي لاسباب استراتيجية واقتصادية، لذلك فإن الرعاية الأميركية مستمرة لهم وبعناية في اطار الاستمرار في الدمج بينهما انما على قاعدة مستلزمات الحركة الأميركية في المنطقة.
حتى الأن، هذا ليس جديداً، لأن الطرفين الإسرائيلي والخليجي هما جزء تاريخي من الجيوبوليتيك الأميركية، وجديدهما هو تقاربهما التحالفي بشكل مباشر.
اين هو إذاً الجديد المرتقب من بايدن؟
لديه ثلاثة علاجات تقلِّص من تراجع النفوذ الأميركية، اولاً إيجاد معادلة تسوية مع إيران، ثانياً إعادة ضبط تركيا وثالثاً إعادة تنظيم علاقة سوية مع أوروبا، ضمن اطارين، اوروبي ـ أميركي واوروبي ـ تركي.
هذا ما توصل اليه الاستراتيجيون العاملون مع بايدن، كحلول تمنع التدهور السريع للأحادية القطبية الأميركية.
لماذا إيران؟ استعمل الأميركيون اساليب تجمع بين القوة واثارة الفوضى والضغط الاقتصادي، استعملوها لمدة أربعة عقود مع إيران في حصار دائم منع الخليج واوروبا واستراليا وكندا والدول الاخرى من أي تعاملات معها، لكنها صمدت على الرغم من المتاعب الاقتصادية الداخلية التي أصابتها.
لذلك يرى الاستراتيجيون لدى بايدن ان لإيران أهميتين يجب تعطيلهما، الأولى تحالفاتها الممتدة من افغانستان الى قسم من باكستان حتى اعالي اليمن والعراق وسورية ولبنان، وبإمكان أية تسوية مع إيران أن تنسحب على هذا المدى الواسع.
أما الأهمية الثانية فهي علاقتها الاستراتيجية الهامة مع كل من روسيا والصين، بما يمكن ان يؤدي الى إنتاج حلف ثلاثي بين هذه الدول الثلاث يصبح وبشكل سريع قوة قطبية عالمياً لا منافس لها.
هذه هي المهمة الأولى التي يبذل بايدن من أجلها كامل جهوده، يكفي أنها قادرة على منع النشوء السريع لنظام التعدّد القطبي في العالم.
اما حكاية النووي الإيراني، فهي الفزّاعة، الآلية التي يستعملها الغرب لإدانة إيران، وكان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قال إن النووي الإيراني يحتاج الى وقت طويل، ولن يكون خطراً في نظام غربي يمتلك عشرات آلاف الرؤوس النووية من بينها «إسرائيل» التي تمتلك بمفردها مئة رأس دفعة واحدة.
هذا يؤكد أن تحالفات إيران الإقليمية هي ما يشكل خطراً على النفوذ الأميركي وآلياته الخليجية والإسرائيلية في المنطقة.
ماذا عن تركيا؟ لن يتأخر بايدن في إعادة جذبها الى نفوذ بلاده، وهذا ليس بصعوبة مهمته الإيرانية، لأن تركيا جزء من النفوذ الغربي منذ ستة عقود، ويكفي ان يجد لها الأميركيون متنفساً اقتصادياً مقبولاً، في ثروات البحر المتوسط، حتى تعود الى أطلسيتها من دون أي تذمّر.
لقد اعتقد الاتراك في مرحلة ترامب أن النفوذ الأميركي ذاهب الى تصدع نسبي فاعتقدوا بإمكانية المشاركة في الوليمة، حسب الطقوس العثمانيّة وادوار الاخوان المسلمين..
يبدو أن ترامب عازم على اعادة تركيا الى سياسات الأطلسي الأميركي بسرعة كي يقضي على أي طموح روسي منافس.
بما يعني ان على استراتيجية بايدن النظر الى اوروبا بعين الشريك النسبي وليس التابع الضعيف، كما يعاملها الرئيس الحالي ترامب.
فأوروبا حليفة أميركا، لم تتمكن من إنجاز اي هدف اقتصادي منذ 2016 بسبب الممانعة الأميركية، حتى انها حاولت بناء تعاملات اقتصادية مع إيران، فمنعها ترامب وهددها ملحقاً بها في أكثر من مرة بعض العقوبات الرمزية، فهل بوسع بايدن اصلاح هذا الخلل؟
لن يتأخر الرئيس الجديد من العثور على آليات جديدة تعيد ربط اوروبا بالجيوبولتيك الأميركي، وهذا يتطلب تنظيم الصراع التركي ـ الأوروبي بما يؤدي الى استفادة طرفيه من موارده من الطاقة في اطار التهام الكميات من الغاز التي تصدرها روسيا الى اوروبا عبر اوكرانيا والمانيا وتركيا، وهذا ينتج تراجعاً من عائدات روسيا من موارد الطاقة.
كما أن ترامب يريد من هذه السياسات الجديدة، التضييق على الانتشار الاقتصادي الصيني، مع وقف التراجع الاقتصادي الأميركي.
فهل هذا كافٍ لتحصين الاحادية القطبية الأميركية؟
إن تحسين العلاقة مع إيران لن يؤدي مطلقاً الى تحطيم علاقاتها بروسيا والصين، فهذا مدى يشكل جزءاً من مساحات العالم تزيد عن 23 مليون كيلومتر مربع، أي أقل بقليل من ثلاثة أضعاف الولايات المتحدة مع فائض سكاني يغطي ثلث الديموغرافيا العالميّة.
لذلك فإن اوروبا وتركيا ذاهبتان الى تحاصص: لكنه لن يجعل منهما بيادق في خدمة الأميركيين، ليتبين اخيراً ان بايدن قادر على تحسين التفاعلات الاقتصادية وعلاقات بلاده بالعالم التي كاد سلفه ترامب ان يطيح بها، لكنه لن يكون على درجة من القوة تسمح له بالاحتفاظ باحاديته القطبية اكثر وكما يبدو منطلقة بسرعة لتصبح قطبية ثلاثية تمنع انزلاق العالم نحو حرب تدمير بأساليب ترامب.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2020/12/21