قاسم سليماني.. الحاضر في وعي أعدائه
شارل أبي نادر
ما زال رعب الحاج قاسم حاضراً في وعي الأميركيين والصهاينة وما زالوا يهلوسون عند ذكر اسمه، مسكونين بهاجس خططه ومناوراته وأسلوبه الصادم في القتال والمواجهة.
عام مضى على الغارة الجوية الأميركية الغادرة في مطار بغداد، والتي أدت إلى استشهاد قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الحاج قاسم سليماني، ورفيق دربه مسؤول الحشد الشعبي العراقي الحاج أبو مهدي المهندس، وما زال قادة محور المقاومة وكوادره ومقاوموه غير مصدقين، كما ما زال الغادرون غير مصدقين.
بالنسبة إلى المقاومين، الحاج لم يمت، فما زال حضوره وشخصه ومدرسته ونهجه حاضراً في وجدانهم وفكرهم وعملهم وأهدافهم ومسيرة جهادهم ومعركتهم. ما زالوا يعيشون معه على الجبهات وخطوط المواجهة، تماماً كما عاش معهم تحت القصف والغارات الجوية، وبمواجهة الانتحاريين والعبوات الناسفة ومفخخات الإرهابيين الأكثر شراسة عبر التاريخ.
ما زالوا يعيشون مع طيفه على خطوط النار التي حضنت ابتسامته الهادئة الواثقة، وحضوره الفاعل المؤثر، وشخصيته المحببة الهادئة، ووجوده الذي لطالما كان يجلب لهم الأمان والثقة والطمأنينة. ما زالوا يرابضون على الدشم والمتاريس بصلابة ويقظة، تماما كما علَّمهم وزرع في تكتيكاتهم ومناوراتهم دفاعاً وهجوماً.
أيضاً بالنسبة إلى الغادرين (الأميركيين والصهاينة)، ما زال رعب الحاج قاسم حاضراً في وعيهم وفي لا وعيهم. ما زال طيفُ الحاج الشهيد كابوسَهم ليلاً ونهاراً، يهلوسون عند ذكر اسمه، مسكونين بهاجس خططه ومناوراته وأسلوبه الصادم في القتال والمواجهة، مصدومين أمام ما فرضه وخطّط له وحقَّقه من معادلات ردع وتوازن رعب.
هؤلاء الأعداء الغادرون ما زالوا يتخبّطون في قراراتهم السياسية والعسكرية في ما خصّ الميادين التي ذاقوا فيها طعم الهزيمة والفشل على يد جيوش محور المقاومة وقادتهم العسكريين، وبمساهمة ودعم أساسي من الحاج الشهيد ورفاق دربه ونهجه من الشهداء والمقاومين في فلسطين المحتلة وسوريا والعراق ولبنان واليمن؛ تلك الميادين التي ما زال خطه المقاوم العنيد يقوى ويشتدّ ساعده فيها، وكأنه موجودٌ فيها، تلك الميادين التي رأى فيها هؤلاء الغادرون القتلة أنّ قوَّتهم وجبروتهم وغطرستهم وإمكانياتهم العسكرية والمالية الضخمة تتبخّر فيها من دون جدوى، ولم تنفعهم شيئاً أمام ذلك الساحر الذي استطاع بقدرة غير طبيعية - قد تكون قدرة إلهية ربما - أن يستوعب تلك القدرات ويعزلها ويجعلها من دون جدوى.
كيف استطاع الحاج الشهيد أن يحقق كل ذلك بشخصه ولوحده؟ وكيف استطاع أأن يدخل إلى عقل وفكر كوكبة كبيرة من البشر المقاومين مثالاً ومُلهِماً؟ وكيف استطاع في الوقت نفسه أن يفرض نفسه على الغادرين خصماً عنيداً عنيفاً صعباً ومستحيلاً، فقتلوه غدراً بعد عجزهم عن منازلته في الميدان؟
إنه القائد الميداني الحاج قاسم سليماني، الذي نشأ وترعرع على جبهات المواجهة الأصعب عبر تاريخ المعارك والحروب في المنطقة، والعالم ربما، وذلك منذ أن عيّن في العام 1980 أثناء الحرب العراقية الإيرانية قائداً لفيلق "41 ثأر الله" في العشرينيات من عمره، وفرض نفسه في هذه السن المبكرة - وبفضل قدراته القتالية والفكرية المميزة - قائداً لفيلق الطليعة من بين فيالق الاقتحام والمواجهة المباشرة، مروراً بمسيرة صاخبة من قيادة وإدارة العديد من العمليات العسكرية والأمنية داخل أراضي الجمهورية الإسلامية أو على حدودها أو حتى خارجها، وصولاً إلى العام1998 ، حين تم تعيينه قائداً لقوة "القدس" في الحرس الثوري الإيراني.
تميّز الحاج الشهيد منذ بداية حياته العسكرية ضابطاً برتبة صغيرة، ولاحقاً مع تسلمه المراكز القيادية، بتواجده الدائم مع المقاتلين على الخطوط الأمامية. وعادة في المجال العسكري، تساهم هذه الميزة، وبنسبة كبيرة، في نجاح أي قائد يتميز بها، وتكون مفتاح التفوق على صعيد تنسيق العمليات الحربية والقتالية وقيادتها وإدارتها.
من الناحية المعنوية، يشعر المقاتل عادة بالفخر، وتزداد عزيمته وقوته والتزامه عندما يجد أن قائده يقف إلى جانبه في الميدان، ويعيش ضغط المعركة وخطرها مثله ومعه. حينها، تقوى همته وقدرته على القتال، تماماً كما كان الحاج قاسم يعيش المعركة مع المقاتلين على خطوط المواجهة. وفي الصور والأفلام (بالحد المسموح والمناسب لضرورات المعركة) التي كانت تُنشر عن الشهيد على جبهات المواجهة ضد داعش في كل من سوريا والعراق، كانوا يتجمعون حوله، في ما يوضح علاقته القريبة والوطيدة بهم، ويوحي بأنه تقريباً على معرفة شخصية بأغلبهم.
من الناحية العسكرية التقنية، يتميز القائد عادة بقدرات وخبرات وإمكانيات قتالية أوسع من باقي عناصر وحدته، وهو أمر طبيعي يفترض بالمبدأ تسلمه قيادة الوحدة، ويكون - عادة - لديه إلمام أكبر وقدرة أوسع على ملاحظة الأمور العسكرية والتقنية أكثر من غيره من ضباط وعناصر وحدته، ويتواجد في المكان الأكثر حساسية على خط المواجهة، ويتابع مباشرة كل الثغرات، ويكون صاحب القرار الأخير.
هذا الأمر يترك تأثيراً إيجابياً كبيراً في مسار المعركة ونتائجها، وهو أيضاً ما كان يحصل مع الحاج الشهيد، إذ كان الانتصار في أية معركة يرتبط إجمالاً بتواجده مع المقاتلين في المرحلة الأخيرة منها أو ما قبل الأخيرة، والصور التي وثّقت هذا التواجد في أمكنة كثيرة من المعارك ضد داعش في العراق وسوريا شاهدةٌ على ذلك.
إنها مسيرة القائد الشهيد المقاوم الحاج قاسم سليماني. بدأت من حيث يجب أن تبدأ، من الميدان الملتهب، وعلى خطوط النار والمواجهة. إنها نقطة الارتكاز الرئيسية والمدماك الأساس لمسيرة قائد تاريخي فرض نفسه، وما زال، رقماً صعباً في مواجهة أقوى الجيوش العالمية وأكثرها تطوراً.
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/12/30