كيف تفرض إيران عودة بايدن إلى الاتفاق النووي؟
قاسم عزالدين
إدارة بايدن التي تبدو متمهّلة في العودة إلى اتفاق العام 2015 النووي، تتلعثم في البحث عن خياراتها بين أولويات السياسة الخارجية، لكن إيران تحشرها في زاوية مأزقها.
إدارة الرئيس الأميركي الجديدة لم ترسم بعد خريطة طريق عودتها إلى الاتفاق النووي الذي وعد به بايدن في برنامجه الانتخابي، ولم تلامس رؤية استراتيجية واضحة مغايرة لسياسة ترامب الخارجية، كما تبشّر تصريحات المسؤولين المعنيين، فبينما يحلم بايدن بـ"الريادة الأميركية" في العالم، بحسب تعبيره، تواجهه معضلة انهيار أميركا بسبب جائحة كورونا التي يراها أولوية الأولويات المباشرة.
بموازاتها، تواجهه معضلة انشطار واسع للهوّة البنيوية بين أميركا العنصرية البيضاء العميقة والدولة الإمبريالية الأميركية التي كانت تغطي تركيبتها الاستيطانية المصطنعَة عبر سيطرتها على منظومة "المجتمع الدولي" لعولمة نموذج التوحّش.
مأزق "الحلم الأميركي" الذي يتخيّل بايدن إحياءه بطيّ صفحة ترامب وإرثه التخريبي الثقيل، تواجهه التحوّلات في موازين القوى الدولية التي تقلب الحلم الوردي إلى كابوس أسود.
نموذج التوحّش الاقتصادي - الاجتماعي المعولم، تقضّ مضجعَه الصين التي تخترقه بقوّة في قلب الولايات المتحدة والدول الغربية، فضلاً عن المنافسة الاقتصادية الدولية القاسية.
التحوّلات الأكثر أهميّة التي تواجه حلم بايدن، هي عجز أميركا عن اعتمادها على القوّة الحربية التدميرية لفرض سيادتها ومصالحها الاستراتيجية وإرهاب الدول أملاً بإخضاعها في بيت الطاعة.
لا يقتصر هذا العجز الأميركي على مواجهة الدول الكبرى كروسيا والصين فحسب، إنما يشمل أيضاً إيران القادرة على الردّ العسكري بتغيير خريطة الشرق الأوسط وقلب الطاولة الأميركية في "إسرائيل" والخليج على أعقابها.
تحت سقف المغامرة بالحرب الأميركية المباشرة التي تدفع إليها "إسرائيل" والسعودية، تحاول إدارة بايدن انتزاع ما لم تنتزعه إدارة أوباما والدول الغربية من إيران قبل الاتفاق النووي في العام 2015، وما عجز عنه ترامب وعصابته في حرب "أقصى العقوبات" التي تعترف إدارة بايدن والدول الغربية بفشلها.
وفي هذا السياق، تتخبّط الدول الغربية وإدارة بايدن العالقة بين تطلّعها إلى تخطّي إرث ترامب الثقيل وأميركا المريضة الغارقة في تناقضات بنيتها السياسية المؤسّسَة على أساس مصالح لوبيات الضغط التي تتباين في الملف النووي اليوم، كما تباينت قبل الاتفاق وأثناءه.
الرئيس الفرنسي المعروف بالتسرّع الخاوي من حنكة رجل الدولة، يبدو الأكثر تعبيراً عن صقور الإدارة الأميركية وطموح "إسرائيل" والسعودية لعرقلة العودة إلى الاتفاق، فهو يتجاوز الدول الأوروبية الداعية إلى صيغة جديدة تتناول المنظومة الدفاعية والسياسة الخارجية الإيرانية، في حديثه عن مشاركة "إسرائيل" على طاولة محادثات متخيّلَة عبر السعودية والإمارات، لكن مفوّض الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يشير إلى عجز أوروبا التي فشلت في الإيفاء بالتزاماتها المحقّة بحسب الاتفاق.
إدارة بايدن التي رمت إيران الكرة في ملعبها، ربما يحلو إقحام الملف النووي في مقاربتها الأولية لإعادة اللحمة مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في استراتيجية الاستدارة شرقاً، وفي إثرها تنظيم التحالف مع "إسرائيل" والعلاقات السياسية مع "الشركاء" في السعودية والخليج.
هذا التوجه العام عبّر عنه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في قوله بشأن الملف النووي: "سنرى إذا كان بإمكاننا العودة إلى الاتفاق وخلق قاعدة نبني عليها جهداً دولياً يشمل شركاءنا وحلفاءنا لبحث تهديدات إيران الأخرى، بما فيها مسألة الصواريخ الباليستية".
وزير الخارجية أنتوني بلينكن المدعوم من الحمائم، مثل مارتن أنديك ودنيس روس، يتميّز عن الصقور بما يسميه "قوّة الدبلوماسية المستندة إلى قوّة الردع"، بحسب تعبيره في كتابه "حليف مقابل حليف" في العام 1987، ما دفعه إلى تأييد التدخّل المسلّح في ليبيا والخلاف مع بايدن في إدارة مكتبه، أملاً بضم ليبيا إلى أميركا.
في الملفّ النووي، يحلم بلينكن بأن تتراجع إيران عن زيادة التخصيب، من أجل عودة أميركا إلى الدبلوماسية على طاولة البحث في جنس الملائكة، وهو ما عبّر عنه في قوله: "إذا عادت إيران، فإن واشنطن تسعى لبناء اتفاق أطول وأقوى يتناول مسائل أخرى صعبة للغاية".
يحلو لأميركا المراهنة على كسب الوقت، نتيجة سعيها إلى رسم استراتيجية أميركية شاملة يدخل الملف النووي في سياقها، ونتيجة ما قاله بايدن بأن ترامب خلق في انسحابه من الاتفاق تعقيدات ومستجدات في أميركا وفي القدرة النووية الإيرانية التي يصعب عليه تجاوزها بسهولة.
إيران من جهتها لا تعير بالاً لأزمة الخيارات الأميركية، ولا تأخذ على عاتقها الوقوف على خاطر بايدن لمواجهة مأزقه، فهي لا تنطلي عليها مقولة "إبداء حسن النيّة" في سبيل الحوار من أجل الحوار على طاولة المفاوضات، ولعلها على العكس من ذلك ترى أن الحب والعشق بين الدول ليس ضرورياً من أجل إقامة علاقات سويّة، فالدولة التي تحترم التزاماتها وتعهداتها تفرض الثقة والاحترام.
أبعد من الأميركية والغربية في الحديث عن شروط العودة إلى الاتفاق، تقدّم إيران على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف رؤية دولة تتمتع باحترام المسؤولية، فهو يتناول آلية لتنفيذ الاتفاق خطوة مقابل خطوة في آن واحد، في دليل على رؤية رجل الدولة لحل الأزمات وإقامة علاقات متبادلَة عادلة، خلافاً لرجال الدولة المريضة والمزرعة.
إيران الماضية في طريقها لمواجهة الصعاب والتعقيدات الناتجة من أزمة الخيارات الأميركية، لا تعقد مصيرها على عودة بايدن إلى الاتفاق، كما أشار قائد حرس الثورة حسين سلامي، لكن ربما يُقدّر لها مسؤولية المساهمة في عقلنَة أميركا وتصحيح مسار التوحّش نحو علاقات إنسانية متكافئة في المنظومة الدولية.
قد يشارك المبعوث روبرت مالي في تشذيب جموح الإدارة الأميركية. وإذا غلب على بايدن الغلواء في التسويف والمماطلة بعد الشهر المقبل حين تتخذ إيران إجراءات نووية جديدة، فقد يردعه هول الانزلاق عن حافة الهاوية.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2021/02/04