من «متحدون ضدّ صفقة القرن» إلى «متّحدون ضد التطبيع»
معن بشور
في إطار التحرك الشعبيّ العربيّ المناهض للتطبيع بادرت هيئات شعبيّة عربية عابرة للأقطار إلى الدعوة لعقد مؤتمر عربي عام تحت عنوان «متحدون ضدّ التطبيع»، يحضره المئات من رؤساء وممثلي الهيئات والقوى والشخصيات العربية، لا سيّما الذين يعيشون في أقطار أقدمت حكوماتها على عقد اتفاقات تطبيع مع الكيان الصهيوني الإرهابي.
ويكتسب هذا المؤتمر الذي دعت إليه المؤتمرات العربية الثلاثة (القومي العربي، القومي – الإسلامي، المؤتمر العام للأحزاب العربية)، مؤسسة القدس الدولية، الجبهة العربية التقدمية، اللقاء اليساري العربي، أهميته من أسباب عدّة:
أولاً: إنّ المؤتمر بهيئاته الداعية والمشاركين فيه يضمّ الأغلبية الساحقة من ألوان الطيف الفكري والسياسي العربي الرافض للتطبيع، بما يساعد في إيجاد الأجواء المناسبة للخروج من أجواء الصراع والانقسام الذي شهدته أكثر من ساحة عربية، والذي كان من أبرز الثغرات التي نفذت من خلالها مؤامرات التطبيع والاستسلام في الأمّة.
ثانياً: إنّ هذا المؤتمر يعتبر استكمالاً لمؤتمرين سابقين انعقدا في بيروت في صيف 2019، تحت عنوان «متحدون ضدّ صفقة القرن»، وشاركت فيهما كلّ فصائل العمل الوطني الفلسطيني والعمل الشعبي العربي، بل انعقدت على هامشهما لقاءات مهّدت لمسار الوحدة الفلسطينية والتي نشهد خطوات على طريقها منذ فترة من الزمن، وهو مسار يشكل رأس الحربة في مواجهة صفقة القرن وفي مناهضة التطبيع والتتبيع.
وإذا كان الإجماع الفلسطيني والالتفاف الشعبي حوله قد أسهم بسقوط «صاحب» صفقة القرن ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية، تمهيداً لسقوط الصفقة نفسها، فإنّ الإجماع الفلسطيني اليوم والالتفاف الشعبي العربي والإسلامي حول مناهضة التطبيع سيكون له دور أساسي في إسقاط اتفاقات التطبيع الجارية حالياً.
ثالثا: إنّ هذا المؤتمر يأتي ليؤكّد للعالم كله أنه إذا كان التطبيع مع العدو خيار حكومات رضخت لإملاءات واشنطن وتل أبيب، فإنّ لأبناء أمتنا على اختلاف منابتهم الفكرية والسياسية خياراً مختلفاً تماماً، وهو خيار المقاومة والانتفاضة حتى تحرير الأرض ودحر المحتلين عنها..
رابعاً: إنّ هذا المؤتمر الذي يواكب انعقاده خطوات إيجابية يسجلها المشهد الفلسطيني، وآخرها اجتماعات القاهرة، وما أفرزته من نتائج، فهو أيضاً يشكل دعماً لهذا التوجه مدركاً أنّ دعم الخطوة التي تؤدي إلى تجاوز الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة المقاومة بكل أشكالها، لا سيّما المسلحة منها، هو مهمة هذا المؤتمر المدرك أنّ التطبيع، كما صفقة القرن، ما كان لهما أن يمرا حتى الآن، لولا تلك الثغرات الكامنة في العلاقات داخل الشعب الفلسطيني وبين الأقطار العربية وداخلها.
خامساً: إنّ هذا المؤتمر ينعقد في أجواء تحولاًت هامة على الصعيد الفلسطيني (اجتماع القاهرة) وعلى صعيد الشعب العربي ارتفاع موجات المناهضة الشعبية للتطبيع، وعلى الصعيد الدولي (قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتبار ولايتها تشمل الأرض الفلسطينية المحتلة، وقرار الاتحاد الأفريقي بإدانة المستوطنات الصهيونيّة والدعوة إلى مقاطعتها، وقرارات الاتحاد الأوروبي إلخ… بما يشير إلى إمكانية استثمار هذه التحوّلات لصالح مشروع دحر الاحتلال ووقف الاستيطان وإنهاء معاناة الأسرى والحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية.
سادساً: إنّ هذا المؤتمر كغيره من المؤتمرات المماثلة هو خطوة على طريق إعادة تجميع القوى الشعبية العربية المتمسكة بالحق الفلسطيني وبالمقاومة كخيار في مواجهة الاحتلال، والرافضة لصفقة القرن ومخرجاتها التطبيعية، وبناء الكتلة الشعبية العربية الجامعة التي تعيد إلى الشارع زخم التحركات الشعبية الضخمة منذ الحروب على العراق وفلسطين ولبنان في العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن، والتي تشهد انتكاساً وتراجعاً منذ عشر سنوات بعد توترات ما يُسمّى بـ «الربيع العربي» الذي نجحت أجندات مشبوهة في حرفه عن مطالب الجماهير المشروعة..
سابعاً: إنّ هذا المؤتمر من شأنه، كشأن غيره من المبادرات والمؤتمرات المماثلة، أن يسهم في إعادة تصحيح البوصلة باتجاه التناقض الرئيسي الذي تواجهه الأمّة بين مشروع نهوضها من جهة، وبين المشروع الصهيو – استعماري، وفي تحديد العدو الرئيسي للأمّة وهو العدو الصهيوني وكل من يساعد هذا العدو على التحكم بمصيرنا واحتلال أرضنا وإرادتنا معاً.
ثامناً: إنّ هذا المؤتمر ينعقد في ظلّ تقدير القيّمين على التحضير له بأنّ هناك في كلّ عاصمة سلك حكامها طريق التطبيع، صراعاً ليس بين الحاكم والشعب فحسب، بل داخل الدوائر الحاكمة نفسها، وبالتالي فإنّ نجاح كلّ مبادرة شعبية مناهضة للتطبيع تسهم في تقوية مواقف الرافضين للتطبيع بوجه المهرولين إليه.
تاسعاً: إنّ هذا المؤتمر هو إعلان صريح عن رفض القوى الحية في الأمّة لمسار الهرولة التطبيعية الذي انتهجه بعض الحكام، وبالتالي فهو يشكل فعل تحدّ لكلّ القوى الداخلية والخارجية المنخرطة علناً أو سراً، في مسار التطبيع مع العدو الصهيوني التي بدأت تمارس ضغوطاً على الكثيرين لمنعهم من المشاركة في المؤتمر، ناهيك عن ترويج إشاعات وفبركة اخبار، خصوصاً أن لا تكاليف لهذا المؤتمر الافتراضي عبر تطبيقZOOM حتى يمكن الحديث عن «تمويل» هذه الجهة أو تلك، (علماً أنّ كلّ مؤتمراتنا تنعقد فيما يتحمّل المشاركون فيها تكاليف السفر والإقامة)..
عاشراً: إنّ هذا المؤتمر من خلال أوراق العمل التي سيناقشها لن يكون مهرجاناً خطابياً، بل فرصة للاطلاع على أوراق تتضمّن الجوانب السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والتربوية والنفسية لمناهضة التطبيع، كما تتضمن أيضاً عرضاً للتجارب الشعبية لمناهضة التطبيع في الدول التي وقعت حكماتها اتفاقات التطبيع.
حادي عشر: إنّ انعقاد هذا المؤتمر، في هذه الظروف بالذات، هو تتويج لسلسلة من المبادرات والهيئات والتنسيقيات والجمعيات التي قامت في أقطارنا العربية من المحيط إلى الخليج بهدف تنسيق جهود هذه المكونات كلها في مواجهة التطبيع الذي هو في المقابل نتاج عمل دول وحكومات وقوى عربية وإقليمية ودولية، فإذا كان رعاة التطبيع بهذا الاتساع والحجم والقوى، فإنّ مناهضيه مدعوّون إلى حشد كلّ طاقاتهم لمواجهته، وللتأكيد على مقولة طالما ردّدناها أنه إذا كان أعداؤنا يظنّون أنهم من خلال التطبيع مع حكومات قادرين على جرّ الأمّة نحو التطبيع، فهم لا يدركون أنهم يوسعون دائرة الاشتباك معهم على مستوى الأمّة كلها لتصبح قضية فلسطين قضية داخل كلّ قطر…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2021/02/11