«قضية الإيغور» وحملة الولايات المتحدة على الصين
طارق عبود
شغلت قضية الإيغور، أو مسألة إقليم شينجيانغ مساحة واسعة في الإعلام والسياسة، ولا سيّما في الغرب، وقد بدت رائحة الاستثمار السياسي تفوح من الحملة التي تتعرّض لها الصين، من جهة التركيز على مسألة حقوق الإنسان والحريات وما شاكل. فما هي قضية الإيغور؟
إقليم شينجيانغ
يقع إقليم «شينجيانغ» في أقصى شمال غرب الصين، وعاصمة شينجيانغ هي مدينة «أورومُتشي»، وتبلغ مساحة الإقليم 1/6 مساحة الصين أي حوالى (1,664,900) مليون وستمئة وأربعة وستين ألفاً وتسعمئة كيلومتر مربع. ويُعدّ هذا الإقليم من أكثر المناطق الحيويّة لدى الصين، حيث إنّ له حُدوداً مع دُول مُختلفة. يخترق الإقليم «طريق الحرير القديم» والذي يُحسبُ أحد الأسباب التي أدّت إلى انتشار الإسلام في المنطقة.
إقليم شينجيانغ منطقة غنيّة بالموارد الطبيعية كالبترول -حيث يُحسب ثاني أكبر إقليم مُنتِج للنفط في الصين- وهو غنيّ أيضاً بالغاز الطبيعي والفحم والرصاص والنحاس والزنك وخامات اليورانيوم، وتعتمد الصين على هذا الإقليم بشكل مُباشر في مدّها بمصادر الطاقة، ومن بين الصناعات المُنتشرة في الإقليم تكرير النفط وصناعة السكر والصلب والكيماويات والإسمنت والمنسوجات.
دعاية سلبية
منذ أن أعلنت الولايات المتحدة قبل سنوات عديدة عزمها على التوجه نحو آسيا، بدأت الحملة الإعلامية الأميركية خصوصاً، والغربية عموماً، عملها الدؤوب ضد الجمهورية الشيوعية. هكذا، بدأت تبرز أكثر فأكثر العديد من الأخبار المتعلقة بالشؤون الصينية كالصراعات في بحر الصين الجنوبي، والخلاف مع تايوان، والتظاهرات في هونغ كونغ (نالت حصة وافرة من التغطية الإعلامية المستفيضة، ففتحت أمامها ساعات البث المباشر أياماً متواصلة). هذا التركيز جعل الصين مادة يومية على القنوات التلفزيونية، وفي الصحف والمواقع الإلكترونية الأميركية والغربية لانتقاد سياسات الصين الداخلية والخارجية، ولتوجيه اهتمام الرأي العام المحلي والعالمي نحو قضايا بعينها، تماماً كما تقترح نظرية ترتيب الأولويات. إذ يختار القائمون على وسائل الإعلام بعض الموضوعات التي يتم التركيز عليها بشدة والتحكّم في طبيعتها ومحتواها.
إذًا، تتعرض الصين إلى حملة إعلامية شرسة تصل إلى حد مقاطعتها والدعوة إلى كراهيتها، زاعمة أنها تقمع المسلمين الإيغور في إقليم شينجيانغ وتضطهدهم. ليس غريباً ومستغرباً أن تلجأ الدول الغربية إلى هذا الأسلوب لثني الصين عن تقدمها وتطورها. فهي ليست المرة الأولى التي تستغل فيها هذه الدول قضية مسلمي الإيغور للضغط على الصين لتغيير مواقفها إزاء قضية معينة. ومن ناحية أخرى تحاول الولايات المتحدة الأميركية إلهاء الصين بمشاكل داخلية كمحاولتها زعزعة الاستقرار في هونغ كونغ.
استثمار في الإرهاب
لقد شكّل الاستثمار في الحركات المتطرفة الإسلامية من قبل الولايات المتحدة الأميركية مساحة مهمة في المعركة التي تخوضها واشنطن ضد خصومها السياسيين أو في مقابل أعدائها، كان ذلك جلياً منذ عام 1979 عندما وظّفت واشنطن الحركات الأصولية الإسلامية ودعمتها وموّلتها لمحاربة الاتحاد السوفياتي عند احتلاله أفغانستان أواخر سبعينيات القرن العشرين. وسلكت واشنطن وحلفاؤها المسار نفسه في مرحلة ما سُمّي بـ»الربيع العربي»، عندما دعمت هذه الحركات من أجل إسقاط الأنظمة العربية التي لم تعمل تحت جناحها، فعملت على تجميع الأفراد من عدد كبير من الدول الأوروبية والآسيوية وحتى الأفريقية، ووظّفتهم لخدمة مشروعها في سوريا وليبيا والصومال واليمن، وفي العراق وبخاصة بعد الغزو الأميركي – الغربي له وتدمير بنية الدولة فيه في عام 2003، وزرع نبتة الفتنة السنّية الشيعية فيه، ومنها توسّعت نحو المنطقة بأكملها.
السلوك نفسه تتبعه اليوم واشنطن لمعاقبة الصين والحد من تقدّمها وازدهارها اللذين يهدّدان التفوق الأميركي، عبر استخدام ورقة المسلمين الإيغور في إقليم شينجيانغ، وادعائها مناصرة حقوقهم، والدفاع عنهم، وهي تقود منذ أكثر من عامين حملة شعواء تشهّر بجمهورية الصين الشعبية، وتتهمها بالتمييز العنصري، ومحاربة الأقليات، ويتماشى معها الإعلام الغربي في أوروبا وبريطانيا. وهي المجموعة نفسها التي دمّرت الدول الإسلامية وعملت على خرابها، في العراق وسوريا وليبيا والصومال ولبنان واليمن، وحاصرت إيران، ولكنها تغضّ النظر عن ممارسة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وتهجير المقدسيين والاستيلاء على منازلهم حيناً، وهدمها وتفجيرها حيناً آخر، وهي في كل فترة تشنّ حرباً مدمّرة على الفلسطينيين في قطاع غزة، وتدمّر المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ولم نرَ حميّة الغرب تثور تعاطفاً مع مسلمي فلسطين، وهذا الغرب نفسه، يدّعي أنه يناصر المسلمين في الصين، على خلفية خطاب فئوي طائفي تحريضي وعنصري، متناسياً أن المسلمين في الصين لديهم الحرية في ممارسة طقوسهم الدينية، وفي بناء المساجد ودور العبادة. ولكنّ الصين تعمل على حماية نفسها من الحركات الإرهابية التي غذّتها واشنطن نفسها في سوريا وغيرها.
القاعدة وداعش وأخواتهما
ومن المنظمات التي سطع نجمها في السنوات العشر الأخيرة، ما سُمّي بحركة شرق تركستان الإسلامية التي ينضوي فيها إيغوريون، وتدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في شينجيانغ أو «تركستان الشرقية» كما يسميها هؤلاء. بايعت هذه الحركة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وتم تصنيفها من قبل الأمم المتحدة في عام 2002 على أنها منظمة إرهابية. وقامت هذه المنظمة بأعمال إرهابية في العديد من المناطق الصينية بلغت منذ عام 1990 حتى عام 2014 أكثر من 200 عملية إرهابية، وأدت إلى مقتل وجرح العديد من السكان الصينيين.
انضمت الحركة التركسانية إلى تنظيم داعش في سوريا وبدأت بتهديد الصين. ففي أواخر عام 2012، بدأت طلائع من الجهاديين الإيغور تصل إلى سوريا، وتنضم إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة. وبعد ذلك أسّس الإيغور في سوريا في عام 2014 الحزب الإسلامي التركستاني، وبقي قسم من الإيغور في تنظيم داعش ووجّهوا في عام 2017 عبر شريط فيديو بعنوان «أولئك هم الصادقون» تهديداً إلى الصين «بسفك الدماء كالأنهار». فكان السؤال الواضح هو: هل تقف الصين مكتوفة الأيدي، بعد التهديد الواضح من قبل هذه الجماعة الإرهابية، بانتظار أن يعود الإيغور من سوريا إلى الصين لتنفيذ هجمات إرهابية ونشر التطرف في إقليم شينجيانغ؟
إن الاتهامات الموجّهة للصين، من قبل الولايات المتحدة والغرب، باستخدام القضايا المتعلقة بشينجيانغ، تتعارض تمامًا مع الحقائق، ومع الرأي العام السائد في المجتمع الدولي
أهداف للإرهاب
أصبحت الصين بالفعل هدفاً في بلدان مثل باكستان، حيث هوجِمَت قنصليتها وكان مواطنون صينيون، من بينهم مسؤولون حكوميون ورجال أعمال بارزون، عرضة للهجمات والاختطاف من أجل الحصول على فدية. (فقد أعلنت جماعة انفصالية باكستانية تُعرف باسم (جيش تحرير بلوشستان) عن مسؤوليتها عن الكثير من تلك الهجمات). كذلك كان المواطنون الصينيون ضحايا لأحداث إرهابية أخرى في أفريقيا أيضاً، حيث هاجمت جماعات مرتبطة بتنظيمَي «الدولة الإسلاميّة» (داعش) و»القاعدة» أهدافاً سهلة وضعيفة من بينها فنادق. وهي كلها حوادث إرهابية تعرّضت لها الصين - مصالحها ومواطنوها - في أنحاء متفرقة عبر العالم، مع عدم تغطية وتسليط وسائل العربية والإسلامية لها نتيجة لأسباب عديدة بينها قصور المعلومات المتداولة عن الصين، وما تتكبّده وتعانيه - داخلياً وخارجياً - في مجال مكافحة الإرهاب، أو تعمد تجاهل هذه الأخبار لارتباط هذه الدول ووسائل إعلامها بالمشروع الأميركي.
ماذا عن التنمية؟
يقول السفير الصيني في الأردن بان ويفانغ: إنّ منطقة شينجيانغ الإيغورية الذاتية الحكم تُعدّ واحدة من المناطق الخمس الذاتية الحكم للأقليات القومية في الصين، إذ يعيش فيها بوئام خمسة وعشرون مليون نسمة من مختلف القوميات، ويعتنق معظم أبناء عشر قوميات في شينجيانغ مثل «ويغور» و»هوي»، الدين الإسلامي، كما يزداد عدد المسلمين باطّراد حتى بات يقارب ستين في المئة 60% من إجمالي سكان شينجيانغ.
ولفت السفير الصيني إلى أنّ شينجيانغ يوجد فيها أكثر من أربعة وعشرين ألف مسجد، بمعنى أنّ هناك مسجداً لكل 530 مسلماً، كما يوجد فيها معهد العلوم الإسلامية وغيره من عشرة معاهد دينية وأكثر من مائة جمعية دينية. وقال إنّه ومنذ تأسيس الصين الجديدة قبل سبعة عقود، ضخّت الحكومة المركزية الصينية استثمارات بنحو تريليونين ونصف تريليون يوان في شينجيانغ من أجل تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، فحقّقت قفزة تاريخية في التنمية الاقتصادية، إذ ارتفع حجم اقتصادها من 791 مليون يوان صيني في عام 1952 إلى تريليون ومئتي مليار يوان صيني في عام 2018، بزيادة مئتي ضعف. كما تضاعف نصيب الفرد من الدخل في شينجيانغ إلى أكثر من مئة مرة في الفترة من عام 1978 إلى عام 2018. ومع التطور السريع والمستمر للاقتصاد، شهد أبناء الشعب من كلّ القوميات تحسناً تاريخياً لمستوى المعيشة، «فقد ولّت الأيام التي كان فيها الغذاء والكساء والكهرباء والمياه والمواصلات غير كافية».
تعمل الحكومة الصينية بكل جهدها على محاربة الإرهاب والتطرف وحماية الشباب من خلال إقامة مشاريع كبيرة، وخاصة في القرى الفقيرة في الإقليم، حيث اشتركت الحكومات المحلية في تسع عشرة مقاطعة وبلدية صينية من بينها بكين، وشنغهاي، وقوانغدونغ، وتشينغ يانغ، ولياونينغ في التعهد «بتنسيق المساعدات» لدعم المشروعات الخاصة بتعزيز تنمية الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والتعليم والخدمات الصحية في المنطقة.
وعلى سبيل المثال، ففي قرية «بيغ أواتي»، عملت حكومة بكين على إقامة مشروع بكلفة ملايين اليوانات الصينية لتوفير أكثر من أربعمئة ألف فرصة عمل، إضافة إلى مشاريع أخرى.
ووفقاً لما ذكره موقع إدارة إقليم شينجيانغ، فقد تم تخصيص استثمارات ضخمة في الإقليم تُراوح قيمتها بين مئة وعشرين ملياراً ومئةٍ وأربعين مليار يوان في بناء طرق عامة بطول 68 ألف كيلومتر، تم الانتهاء منها فعلياً في فترة الخطة الخمسية الثانية عشرة (2011-2015). كما عملت حكومة إدارة إقليم شينجيانغ على بناء ستة مطارات أخرى في الإقليم خلال فترة الخطة الخمسية الثانية عشرة (2011-2015) ليصل مجموع المطارات هناك إلى 22 مطاراً.
وقال الموقع إنّ الإنجازات التنموية التي حقّقتها شينجيانغ اليوم ترجع إلى الإجراءات المتخذة في السنوات الأخيرة لمكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار، فقد كانت شينجيانغ تعاني كثيراً من ويلات الإرهاب والتطرف الديني والانفصال، منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ خلقت القوى الإرهابية والقوات الانفصالية العرقية والقوى الدينية المتطرفة الآلاف من حوادث العنف والإرهاب في شينجيانغ وغيرها من الأماكن، ما تسبّب بخسائر في الأرواح وممتلكات عدد كبير من الأبرياء. فعلى وجه الخصوص، أسفر حادث «5 يوليو» الذي هزّ العالم في عام 2009 عن مقتل 197 شخصاً وجرح أكثر من 1700 شخص. وهو ما يظهر أنّ قضية شينجيانغ ليست قضية دين أو حقوق إنسان أو قومية، بل هي قضية مكافحة الإرهاب والتطرف والانفصال.
الانحياز الإعلامي
لقد تقصّدت الكثير من وسائل الإعلام الغربية نظرة متحاملة، وغضّ النظر عن الحقائق الأساسية واختلقت أكاذيب مختلفة لتشويه الإجراءات التي تتخذها شينجيانغ في مكافحة الإرهاب ونزع التطرف، حتى تزرع بذور الشقاق في علاقات الصداقة بين الصين والدول الإسلامية بنية خبيثة.
فتلك المعلومات والادعاءات التي صدرت أخيراً في عدد من وسائل التواصل الاجتماعي ضد الصين على وسائط التواصل الاجتماعي، الفيسبوك واليوتيوب والتويتر، هي مجانبة للواقع وخالية من المصداقية.
وكلّ هذا يثبت بقوة أن مزاعم الولايات المتحدة والغرب اللذين كالا الاتهامات للصين باستخدام القضايا المتعلقة بشينجيانغ، تتعارض تماماً مع الحقائق، وكذلك مع الرأي العام السائد في المجتمع الدولي. فخلال السنة الماضية، ظل بعض الأشخاص من الساسة الأميركيين يتصرفون باحتيال في قضية شينجيانغ بنية خفية، وقد أدلوا بتصريحات لا أساس لها من الصحة، الأمر الذي كشف السياسة المنحازة والمتغطرسة التي يتمسك بها بعض الأشخاص الأميركيين ومؤامرتهم السياسية لكبح نمو الصين بحجة «حقوق الإنسان». وسبب ذلك هو أنهم وضعوا الصين كمنافس صلب يَنشد دائماً المنفعة العامة والكسب المشترك لجميع دول العالم ويصر دائماً على دعم حقوق البلدان النامية، الأمر الذي يشكل تهديداً للقوة المهيمنة على العالم.
ضغوط سياسية
في 12 أيلول/ سبتمبر 2019، أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي قانون سياسة حقوق الإيغور الذي يدعو إلى فرض عقوبات على المسؤولين الصينيين بشأن معسكرات شينجيانغ، إضافة إلى طرح مشروع قانون يحثّ إدارة الرئيس دونالد ترامب على حظر تصدير السلع والخدمات إلى وكلاء الدولة الصينيّة في مناطق الإيغور، فيما وصفته بكين بـ«تدخّل متمادٍ في الشؤون الداخلية للصين». ولعلّ أقلّ ما يقال في ما يسمى بقانون الحقوق هذا، إنّه ممارسة مخجلة في النفاق والترهيب.
تأتي هذه الضغوط على خلفية شعور واشنطن بقلق شديد من أن تأخذ الصين زمام المبادرة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً للبشرية، لأنّ نجاح مشروع طريق الحرير قد يكون بداية النهاية للإمبريالية الغربية والاستعمار الجديد، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسين شروط الحرية والاستقلال الحقيقي لدول عديدة، ترزح تحت جبروت الإمبراطوريّة الأميركية.
جريدة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2021/06/18