قراءة في نتائج الانتخابات الإيرانية
حسام عبد الكريم
فوز السيد ابراهيم رئيسي كان متوقعاً. ولكن ليس كما يقول بعض المعارضين لأن الانتخابات مسرحية مرتبة سلفاً, كلا ذلك غير صحيح والتنافس على منصب الرئاسة كان حقيقياً (الفوز كان بنسبة 61% ) والاصوات لم تكن مزورة والنتائج لم تكن مضمونة (ولا ننسى ان السيد ابراهيم رئيسي ذاته كان خسر الانتخابات سنة 2017). السبب الذي يجعل النتيجة متوقعة هو التطورات التي حصلت خلال السنين الاخيرة من حكم التيار الاصلاحي ممثلاً بالرئيس روحاني والفشل الذي منيت به سياسته على الصعيدين الداخلي والخارجي. فقد أولى الرئيس حسن روحاني, ومعه الوزير جواد ظريف, اهتماماً استثنائياً بالمفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي واعتبروا ذلك مدخلاً لحل مشاكل ايران الاقتصادية المعقدة. وكانت سياستهم المعلنة توحي للداخل الايراني بأن الاتفاق مع امريكا ممكن بل وضروري جدا لمصلحة الشعب الايراني. ورغم وجود تيار داخل ايران لا يثق بأمريكا وينظر بريبة وتوجس الى جدوى المفاوضات معها, إلا أن الرئيس روحاني وفريقه, أخذوا فرصتهم كاملة لتنفيذ سياستهم تجاه الملف النووي ولم يتعرض عَمَلهم للعرقلة من طرف الجهات المعارضة. وقرر المرشد آية الله علي خامنئي, رغم تحفظه على “الثقة” بأمريكا ومصداقيتها, أن يسمح لروحاني بالمضي الى آخر الشوط في المفاوضات. وبالفعل تمكن الثنائي روحاني – ظريف من التوصل الى اتفاق جيد جداً مع امريكا, متوازن ويحفظ حقوق ايران ويراعي مصالحها.
الضربة جاءت من الطرف الاخر. من ترامب بالتحديد الذي نكث ونقض الاتفاق بلا اي سبب قانوني. انسحب ترامب من الاتفاق وترك روحاني و ظريف في موقف محرج امام شعبهما الذي رأى بعينيه أن الذين ظنوا انهم فتحوا صفحة جديدة مع امريكا وحسبوا انهم نجحوا في تجاوز الماضي الصعب في العلاقة معها, كانوا مخطئين. وصار ظاهراً للجميع ان المشكلة ليست اساساً في التيار الاصولي او الثوري داخل ايران, بل في الطرف الآخر الامريكي, الذي يأبى قبول حد أدنى من العلاقة القائمة على الاحترام مع ايران. الجهات المعادية لايران في الداخل الامريكي كثيرة جدا, تبدأ من اليمين المسيحي المتصهين ولا تنتهي عند صقور الحرب في المجمع الصناعي العسكري, وهذه الجهات لن تقبل بصفقة تعتبرها ضماناً لاستمرار واستقرار نظام الثورة الاسلامية . بنظر هؤلاء يجب اسقاط النظام الايراني القائم أو كحد أدنى تغيييره جذرياً بحيث تعود ايران الى ما كانت عليه ايام حكم الشاه رضا بهلوي تابعاً مطيعاً للسيد الامريكي, وعندها فقط يمكن المصالحة معها. أي بمعنى آخر : انتقام تاريخي لهزيمة امريكا في ايران عام 1979.
ولا داعي للاستفاضة في الحديث عن ما فعله ترامب تجاه ايران من سياسة عدائية فظة ووحشية, فذلك معروف تماماً, وكيف أدى الى صعوبات اقتصادية هائلة وقع عبؤها على عموم الشعب وتسببت في احدى المراحل في اندلاع مظاهرات شعبية بسبب غلاء المعيشة ورفع اسعار المحروقات.
هذه هي باختصار الاسباب التي جعلت التغيير في ايران متوقعاً تماماً ومنطقياً. فالناس لا يمكن ان تستمر في منح ثقتها لمن فشلت سياستهم بل سوف يعاقبونهم بالتصويت, وسوف يغيرونهم. فهذا ما حصل مع التيار الاصلاحي الذي خسر الرئاسة الان بعد ان كان خسر اغلبيته في مجلس الشورى (البرلمان) العام الماضي. انها طبيعة الاشياء وسنة الشعوب الحيّة. لا تزوير ولا مسرحيات ولا انتخابات مرتبة ولا شيء من كل ذلك.
والان وقد جاء السيد رئيسي فإنه يواجه مهمة شاقة وعسيرة تتمثل في اخراج ايران من الظروف الاقتصادية الصعبة الناتجة عن الحصار والعقوبات وفي ذات الوقت ضرورة التعامل بحذر مضاعف مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية للعودة للاتفاق النووي. وقد سبق للسيد ابراهيم رئيسي أن عبر عن اعتقاده أن الامريكان لديهم خطط خبيثة تجاه ايران حين قال سنة 2017 ” الأمريکان لا يريدون تمزيق الاتفاق النووي وانما يريدون تعميم نسخة الاتفاق النووي علی المجال الأمني والقدرة الدفاعية للشعب الايراني وأن يحولوا ايران الی حالة من العراق وليبيا بخفض قدرة البلاد حسب ظنهم”.
السؤالُ بنظر الأصوليين في ايران هو: ما الذي يضمن لنا ألا يتكرر سيناريو “النكث” الامريكي في المستقبل؟ اذا كانت الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي و روسيا والصين, والمواثيق والاعراف والقوانين الدولية كلها, لم تستطع ان تلزم الرئيس الامريكي باتفاقية ناجزة وموقعة ولا ان تردعه عن شن حرب اقتصادية فاجرة على ايران, فكيف يمكن الركون الى اتفاقٍ يُعادُ ترميمُه مع امريكا ؟ لذلك من المتوقع ان ايران في عهد السيد رئيسي سوف تضع المزيد من الشروط وسوف تطالب بتعويضات وضمانات اضافية ربما تصل الى حد الاصرار على معاهدة رسمية ملزمة يصدّق عليها الكونغرس (وهو ما لم يحصل في اتفاقية 2015) حتى لا يكون الخروج منها امراً يسيراً بالنسبة لأي رئيس امريكي في المستقبل.
ومن المستبعد ان يوافق الكونغرس بجناحيه على ذلك نظراً لقوة ونفوذ اللوبي الصهيوني والجهات المعادية لايران فيه.
الأمرٌ اذن قد يطول كثيرا حتى يثمر. والى ان يحصل ذلك سوف تستمر ايران في استرتيجيتها في المنطقة التي تسير عليها منذ عام 1979. وسوف تواصل الاعتماد على قواها الذاتية و”الاقتصاد المقاوم” الذي نجت في تطويره في ظل العقوبات والحصار, ولن تكون في عجلة من امرها للوصول الى اتفاق سريع مع بايدن بنفس الشروط القديمة, حتى لو تطلب ذلك المزيد من الصبر والتحمّل. وربما تكون الاتفاقية الاستراتيجية التي ابرمتها ايران مؤخراً مع الصين, القوة الصاعدة في العالم, خياراً مستقبلياً واقعياً يمكن الركون اليه بشكل أكبر من العلاقات مع اوروبا وامريكا.
سننتظر ونرى الشخصية التي سيختارها السيد رئيسي لمنصب وزير الخارجية خلفاً لجواد ظريف. وسننتظر ايضا رد الفعل الامريكي على التغيير الذي حصل في ايران. حتى الان تبدو الامور وكأن ادارة بايدن اتخذت قرارا قطعياً بالعودة للاتفاق النووي والى ذات سياسة اوباما “السلمية” تجاه ايران, ولكن يبقى السؤال : هل ستتمكن من جبْر الكسْر الذي أحدثه ترامب, وبأيّ ثمن؟
أما على الصعيد الداخلي فإن الانتخابات أعادت اضفاء الشرعية الشعبية على مؤسسات ونظام الجمهورية الاسلامية. صحيح أن هناك انخفاضاً في نسبة المقترعين ( 49% ) بالقياس الى انتخابات الرئاسة سنة 2017 (73%), إلا أن هذه نسبة تبقى معقولة ومقبولة وفق معايير وممارسات أغلب الدول الديمقراطية في العالم وتكاد تكون الأفضل على مستوى الشرق الاوسط كله, حتى لا نقول الدول العربية (التي بعضها لا يعرف الانتخابات أصلاً ). هناك 29 مليون ايراني توجهوا الى الصناديق, جزء كبير منهم من الشباب, وهذا أمر ليس بالهيّن ولا يمكن ان يحصل لولا ايمانهم بأهمية اصواتهم وقدرتهم على التغيير.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2021/06/22