«التحلية» «12».. تصريف نهر النيل لمدة 6000 عام
د. محمد حامد الغامدي ..
هل تعرفون كمية المياه الجوفية المخزونة في المملكة؟! حتى الكمية التي تناولها تصريح جامعة البترول لم يتم إعلانها، لماذا عبروا عنها بالسنين؟! (500 عام لتصريف نهر النيل).
لماذا لم يُعلن صراحة عن كمياتها، وقد حددها بحث الجامعة؟! هل كان ل (البهرجة) الإعلامية مقعد في المشهد؟! هل كان هناك مشاهد أخرى خلف المشهد؟! لماذا التزمت الجامعة الصمت خلال هذه العقود؟! أين صوت من قام بهذه الدراسة من علماء؟! هل هناك أخطاء وتجاوزات علمية؟!
٭٭ في غياب الأجوبة كل المشاهد المحتملة صحيحة، هل كان التصريح مشهدا في مسرحية؟! حتى وإن كان كذلك، فقد ساعد التصريح كاتبكم على توظيفه كشاهد ضد وجود التحلية، ضد جعلها خيارا استراتيجيا. هذا التصريح شغلني طوال السنوات الماضية، كنتيجة قادني لمراجعة كل الحسابات، كنتيجة توصلت إلى نتائج هدمت بناء بعض ما كنت أعتبره حقائق، مع مرور الوقت تكشفت أخطاء وتناقضات مصدر المعلومة.
٭٭ في غياب الأجوبة من حقي الاستنتاج، أعطيت نفسي وقتا للتفكير والتأمل فوجدت أن هذا التصريح يمكن استخدامه لدحض مبررات وجود التحلية.
أرفع هذا التصريح في وجه كل من يدعي ويروج للمواطن أن التحلية خيار استراتيجي. التحلية تنتج سنويا أقل من (1.2) مليار متر مكعب سنويا، ويمكن الاستغناء عن هذه الكمية الزهيدة جدا عن طريق المياه الجوفية، خاصة في ظل تكلفتها الباهظة تجاوزت (17) مليار ريال سنويا.
٭٭ التصريح يؤكد أن المخزون الاستراتيجي في المملكة أعلى من كل تقديرات الجهات المسئولة، كان (380) مليار متر مكعب.
أصبح هذا التقدير فضيحة مقارنة باستنزاف الزراعات العشوائية خلال العقود الثلاثة الماضية تجاوزت (600) مليار متر مكعب، استهلاك يعادل ضعف التقدير تقريبا.
٭٭ بعد كل هذه السنين أستطيع القول: إن التصريح كان رمية من غير رام. هل أجبر الجهات المسئولة على تحديد ومعرفة حقيقة المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية؟! من الصعب أن تمر هذه السنون دون معرفة الرقم التقديري.. هذا أمر مهم لوضع الاستراتيجيات، وبناء الخطط، وتنفيذ البرامج، مهم لنجاح إدارة المياه الجوفية وتنميتها بشكل عام.
٭٭ خلال هذه السنين، يواجه كاتبكم سؤالا حول تقديره الشخصي للمخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية غير المتجددة، في مناطق الصخور الرسوبية؟! ولأن هذا مشروع وزارة، ويحتاج إلى دراسات موسعة، لا يستطيع القيام بها أمثالي، كنتيجة يكون جوابي: لا أعرف. اليوم أعلن لكم -ولأول مرة- ومنذ ثلاثة عقود عن تقديري الشخصي. تقدير يستند على مؤشرات علمية، لا أدعي صحته المطلقة، لا أطلب جعله حقيقة.
أكرر: هو فرضية باحث، على الجهات المسؤولة أن تُقدم للمواطنين ما عندها من تقديرات موثقة، هذا حق المواطن.
٭٭ التقدير الذي أتوقعه (يقزم) تقديرات جامعة البترول والمعادن إلى أقصى حد.. استند إلى ما هو موجود من تقديرات في بعض المواقع المشابهة في دول أخرى، بالمقارنة أقول دون تحفظ: مخزون المياه الجوفية غير المتجددة في المملكة لا يقل عن تصريف نهر النيل لمدة (6000) عام، صدمة أليس كذلك؟!
٭٭ في ظل هذا التقدير، كيف يمكن تفسير هبوط مناسيب المياه الجوفية؟! كيف يمكن تفسير نضوب المياه الجوفية في بعض المناطق؟! سيطفو الكثير من الأسئلة المشروعة، وحتى تكون هناك مصداقية يجب أن يكون هناك تفسيرات، وشروحات، وإجابات مقبولة ومنطقية علميا. مواجهة طوفان كل الأسئلة التي سيثيرها هذا التقدير يحتاج لأدلة. كاتبكم جاهز بعرض معلوماته عبر هذه السلسلة من المقالات.
٭٭ أعرف أن تقديري هذا صدمة ستدعو البعض إلى جعلي منتسبا لمجانين العالم، أعرف أن تقديري هذا هزة عنيفة، هل سيجفف كل بحيرات مؤلفات تناقض الماضي؟! أعرف أن تقديري هذا يحرق المعلومات التي تيبس عودها.
أعرف كل هذا وأكثر، أعرف أيضا قراءة المشهد، أعرف توظيف الحدس العلمي في غياب الحقائق، أعرف رسم معالم أدلة الاستنتاج بحرفية، أعرف إجادة قراءة الواقع، أعرف مسرحيات الإخفاقات.
أرجو أن يكون هذا التقدير نقطة تحول إيجابية في مسيرتي للدفاع عن المياه الجوفية.
٭٭ عليكم أن تعرفوا أن تقديري هذا يرفع الصوت عاليا لصالح المراجعة الشاملة، لصالح الأجيال القادمة، من المهم عدم فهم الأمر على أنه دعوة مفتوحة للمزيد من الاستنزاف، والإهدار، والعبث بالمياه الجوفية.
أعتبر هذا التقدير الخطوة الأولى للحفاظ على نصيب الأجيال القادمة من المياه الجوفية.. تقديري هذا بمثابة قذف حجر في بركة ركود إدارة المياه الجوفية... ويستمر الحديث بعنوان آخر.
صحيفة اليوم
أضيف بتاريخ :2016/04/30