يوم الصحافة ومواثيق الشرف
قاسم حسين ..
اليوم هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي اختارته الأمم المتحدة لتسليط الضوء على واقع حرية التعبير، والتذكير بعمل ومعاناة الصحافيين في عالمٍ بات يضيق أكثر وأكثر بالكلمة الحرة، وأنظمةٍ لم تعد ترغب بسماع أي صوت لا يكون صدى لصوتها.
يمرّ هذا اليوم، ليذكّرنا محلياً بقانون الصحافة المعلّق على الصليب منذ أكثر من 12 عاماً، على أبواب الحكومة والبرلمان، فيما يُضيّق الخناق على الهامش الصغير المتاح لحرية التعبير. وهو أمرٌ يستشعره القارئ بطبيعة الحال، ويعيشه الكاتب كلّ يومٍ طوال العام.
يمرّ هذا اليوم، ومازلنا ندور حول الساقية التي جفّ ماؤها، دون حلولٍ ولا تفكير بمخارج من الأزمات، فيما يزداد ضغط الواقع الاقتصادي أكثر، مع استمرار تدهور أسعار النفط.
يمر هذا اليوم، ونحن مازلنا نذكّر وندعو، للارتقاء بواقعنا السياسي والاقتصادي والإنساني والحقوقي، ولكن صيحاتنا تضيع في وادٍ سحيق. وآخر صيحاتنا ما جرى قبل ثلاثة أيام، حين خرجت أربع صحف تتصدرها صور وأسماء مجموعةٍ من «المتهمين» بعملية إرهابية، فيما ارتضيا لأنفسنا كصحافة، أن نشارك في «التشهير» بهذه المجموعة من «المتهمين»، ونلعب دور المدّعي والقاضي والحكم، ونبت الإدانة ضدهم، قبل أن يُتاح للقضاء الاطلاع على أوراق القضية، أو تعيين محامٍ، أو الاستماع للمتهمين وشهود النفي والإثبات.
لألف مرةٍ، انتقدنا هذا الأسلوب القديم الذي يناقض مواد الدستور، ويخالف القوانين المحلية والدولية، ولكن هناك إصراراً عجيباً على مخالفة القانون والدستور وانتهاك قواعد العدالة الإنسانية. فمن الذي يبيح لأي طرفٍ أن يشهّر بأشخاصٍ مازالوا «متهمين»، لم تصدر ضدهم لائحة دعوى قانونية، من أي قناة قانونية، حتى الآن؟ وإذا تم التشهير بهم بهذه الطريقة، من الذي يمكن أن ينصفهم في حال أصدر القضاء حكماً ببراءة أيٍّ منهم؟ وأيّ عملٍ يمكن أن يبرّر هذا الصنيع أو يجبر الضرر الذي وقع؟
في لفتةٍ قانونيةٍ مهمةٍ، أصدرت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان»، بياناً أعربت فيه عن أسفها لقيام إدارة الإعلام بوزارة الداخلية عبر موقعها الرسمي وحسابها على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، وبعض الصحف المحلية اليومية، «بنشر أسماء وصور مواطنين متهمين بارتكاب الجريمة النكراء التي وقعت في كرباباد، وعدم مراعاة نص الفقرة (ج) من المادة (20) من الدستور، والتي تنصّ على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع». وهي قاعدةٌ قانونيةٌ أساسية، تعتمدها كل شعوب ودول العالم، فلماذا نصرّ على تجاوزها والاستخفاف بها؟ ولماذا تشارك صحفنا المحلية عن اختيار وطيب خاطر، في إصدار أحكام الإدانة على مواطنين «متهمين»، فتشارك في انتهاك قواعد العدالة والإنصاف؟
في كلمتها بالمناسبة، دعت المدير العام لليونسكو إيرينا بوكوفا، إلى حماية الحريات الأساسية، والدفاع عن حرية الصحافة لأنه ركن أساسي من أركان صون حقوق الإنسان وكرامته، فهل يتفق ما تقوم به صحافتنا المحلية مع ذلك؟ أم أنها تساهم في تعزيز ممارسات انتهاك حقوق الإنسان واستباحة كرامته والتشهير به بصورةٍ مسبقةٍ ومتعمدة، قبل أن يقدّم المتهم (البريء حتى تثبت إدانته) للقضاء؟ وهل هذا يدخل ضمن دور ومسئولية الصحافة؟ وأين ذلك من المهنية والأمانة الصحفية؟
إذا كنا غير مستعدين لنصحّح أخطاءنا المتوارثة، ونرفض تقويم اعوجاجاتنا، المهنية والأخلاقية والقانونية، طوال 15 عاماً من إطلاق دعوات الإصلاح، فلماذا وقّعتم تحت الأضواء وعدسات التلفزيون، على ثلاثة مواثيق «شرف» صحافية خلال الـ 12 عاماً الماضية؟
أحد الرجال الوطنيين الشرفاء، كتب على «تويتر» مشيداً بالمؤسسة الوطنية: «شكراً لحقوق الإنسان على نشر هذا البيان، للأسف يتم حجب وجوه مهربي المخدرات الآسيويين ولكن يتم فضح المواطنين». وحين ردّ عليهم أحدهم متصيّداً أجاب بوضوح: «الإرهاب والعنف خطأ وغير مبرر، ولكن ما دخل هذا بذاك؟ الدستور ينطبق على الجميع، والمتهم بريء إلى أن تتم إدانته».
يبدو أننا مصرون على اقتراف الأخطاء والتجاوزات وانتهاك الحريات ومخالفة حقوق الإنسان، رغم تكرار دعوات الإصلاح حتى بُحّت الأصوات... فمتى يبلغ البنيان (الصحافي) يوماً تمامه... إذا كنتَ تبنيهِ وغيرُك يهدم؟
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/05/03