«النظام الموازي للبحرنة» وسياسة التفريط بالبحرنة
قاسم حسين ..
في خطوةٍ مفاجئةٍ، أعلن الرئيس التنفيذي لهيئة سوق العمل أسامة العبسي، في مؤتمر صحافي، أن قرار اعتماد ما سُمّي بـ «النظام الموازي الاختياري للبحرنة»، دخل حيّز التنفيذ بدءًا من يوم أمس الأول (الاثنين 2 مايو/ أيار 2016).
القرار اعتبر مباغتاً للكثيرين، فقرارٌ أحاديٌ وخطيرٌ من هذا النوع، سيؤثر بصورة سلبية على زيادة مستوى البطالة حتماً بين البحرينيين، وبدا أشبه بعملية تفكيرٍ في جني ضرائب جديدة، بغضّ النظر عن آثاره السلبية على الاقتصاد أو سوق العمل أو زيادة نسبة البطالة بين المواطنين.
قبل 10 أعوام، وقف الرئيس التنفيذي نفسه في أحد فنادق العاصمة، أمام جمعٍ لا يقل عن 300 شخص، من مختلف القطاعات الاقتصادية، ليعلن إطلاق مشروع إصلاح سوق العمل، وقد أسهب في الشرح والتفاصيل. يومها كانت المبرّرات التي ساقها، عصيّةً على الفهم، حيث لم يستوعب عقلي الكيفية التي اقترحها لـ «جعل العامل البحريني الخيار الأول»! ولم يكن ذلك عن طريق التدريب والتأهيل، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، بل عن طريق زيادة تكلفة العامل الأجنبي بحيث يكون مساوياً لتكلفة العامل البحريني! يومها تساءلت مع نفسي: ماذا لو فضّل رجال الأعمال أو الشركات، الأجنبي على البحريني في هذه الحالة؟ وماذا ستفعل الهيئة لو كانوا مستعدين لتحمل تكلفة الأجنبي حتى لو أصبح «أغلى» من البحريني؟ كانت مجرد شكوكٍ، لكن الواقع أثبتها بعد مرور سنوات قليلة فقط.
كانت فكرةً هلاميةً ليس لها أساسٌ من الواقع، ولكن لم يكن ممكناً نقدها أو معارضتها، لئلا تُتهم بالتشكيك في الجهود المخلصة، وبفعل ما أحيطت به من هالةٍ إعلاميةٍ ضخمة، ووعود كبرى. ولكن سرعان ما أثبتت هذه الأطروحات النظرية خطأها، بدليل أنه بعد تطبيقها، انخفضت نسبة العمالة الوطنية في السوق إلى 18 في المئة، وزادت نسبة العمالة الأجنبية لتقبض على نصيب الأسد من فرص العمل الجديدة التي يولّدها الاقتصاد الوطني. ولم يقتصر ذلك على الأعمال غير الماهرة، بل وبالدرجة الأولى طال الأعمال ذات الرواتب العالية، وفي مهن تتطلب مهارات تتوفر لدى الخريجين الجامعيين البحرينيين، الذين تتزايد نسبة البطالة بينهم مع الأيام.
هذه التجربة فشلت في «جعل العامل البحريني الخيار رقم واحد»، ولكنها نجحت في زيادة سيطرة العامل الأجنبي على السوق. والأسوأ أنها ساهمت في خلق سوق رديفة «سوداء»، انتعشت فيها تجارة «الفيزا»، وخلقت للبحرين مشكلة «الفري فيزا»، حيث يتواجد عشرات الآلاف من العمالة الوافدة خارج النظام والرقابة، استغلتهم طبقةٌ طفيليةٌ للمتاجرة وجني الأرباح. واحتاجت الدولة في الأعوام الأخيرة، إلى تقديم تنازلات للتقليل من آثارها السلبية على الاقتصاد، بفتح الباب عدة مرات، أمام العمالة السائبة لتصحيح أوضاعها المخالفة للقانون، ومازالت المشكلة مستمرة حتى الآن.
اليوم، وبعد مرور عشرة أعوام، من التجربة التي لم تحقّق وعودها، يعود لنا منظّر سوق العمل ليفاجئنا بالأطروحة الجديدة: «النظام الموازي للبحرنة»، وهي تبدو نسخةً أخرى من سياسة «جني الضرائب» السابقة، ولكن دون وعود خلابة هذه المرة، بجعل «البحريني الخيار رقم واحد»، لأن هذه الفكرة لم تعد تخدع أحداً، خصوصاً مع اتجاه الدولة للتخلّي عملياً عن سياسة «البحرنة» التي اعتمدتها رسمياً منذ نهاية السبعينيات، وساهمت في الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق العامل البحريني، والحصول على فرصة عمل في بلاده.
ًما سُمّي بـ «النظام الموازي للبحرنة»، أقرب إلى عمليات بيع التأشيرات على حساب العمالة البحرينية، وبدل احتضان الدولة لأبنائها، وإعطائهم الأولوية في التوظيف لخدمة بلدهم والمشاركة في تنميته، يتم فتح الباب على مصراعيه لزيادة «تمكين» العمالة الأجنبية، على حساب زيادة أعداد العاطلين من أبناء البلاد.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/05/04