إغلاق الأرشيف الإسرائيلي لطمس الحقائق
مأمون كيوان ..
يوجد في إسرائيل عدد كبير من الأرشيفات التي تشكل ذاكرة هذا الكيان، ومنها: أرشيف الدولة وهو الأرشيف الرسمي لدولة إسرائيل، تأسس عام 1949. مهمته تجميع وتوثيق وحفظ جميع المواد الأرشيفية الخاصة بمؤسسات الدولة، وكذلك التقصي والعثور على مواد أرشيفية خاصة وعامة، ومتابعة عمل أرشيفات أخرى مختلفة داخل دولة إسرائيل. ويعد أرشيف الجيش وجهاز الأمن مركز المعلومات الرئيسي للعمليات الأمنية العسكرية الإسرائيلية. أما الأرشيف الصهيوني المركزي فتأسس في 1919 في برلين، ونقل إلى القدس 1933. وهو أرشيف الحركة الصهيونية بكل مؤسساتها ومنظماتها؛ وثق الأرشيف نشأة الحركة الصهيونية في جميع أرجاء العالم.
وتأسس أرشيف "هشومير هتصعير" عام 1927. ويضم أرشيف "بيت لوحمي هجيتاؤوت" (بيت محاربي الجيتوهات) مواد تتعلق بتاريخ اليهود في النصف الأول من القرن العشرين في القارات الخمس وأرشيف "جوش عتصيون" والأرشيف التاريخي لحركة الكيبوتسات وأرشيف "ياد فاشيم"، وأرشيفات خاصة بالقدس ويافا وحيفا.
ويحتوي الأرشيف المركزي على أرشيفات مئات الجاليات اليهودية، وكذلك أرشيفات منظمات يهودية محلية ووطنية ودولية، وعلى مجموعات خاصة لشخصيات يهودية بارزة؛ يضم الأرشيف أكبر مجموعة مخطوطات وسجلات للتاريخ اليهودي من العصور الوسطى حتى يومنا هذا.
الرقابة العسكرية الإسرائيلية تحكم قبضتها على "أرشيف الدولة"، ما يجعل الاطلاع على ملفات تهجير الفلسطينيين ضربا من ضروب الخيال. وبرغم وجوب خروج هذا الموضوع من تصنيف المواد السرية بحكم مضي وقت طويل عليه، كما ينص القانون الإسرائيلي، فإنها لا تزال مغلقة أمام الباحثين، حتى تلك التي فتحت أمام من اصطلح على تسميتهم "المؤرخون الجدد" أعيد إغلاقها لتصنف مجددا "سري للغاية".
لقد أسدل ستار فولاذي على الوثائق التي أثبتت طرد الفلسطينيين بالقوة خلال النكبة، أو تضمنت وصف مجازر وحالات اغتصاب ارتكبها الجنود الإسرائيليون، أو حتى إشارة إليها، كما عوملت الملفات ذات العلاقة بمواضيع تعتبر مربكة للمؤسسة الأمنية بالطريقة نفسها، ومن ثم صنفت في خانة "سري للغاية".
وسعى باحثون إسرائيليون إلى اقتفاء أثر المصادر التي أشير إليها في كتب بيني موريس، وآفي شلايم، وتوم سيجف، ولكنهم وصلوا إلى طريق مسدود. وبات الوصول إلى ملف (17028/18) تحت مسمى "الهرب في 1948"، مفاجئا جدا.
فقد كتبت وثائق هذا الملف بين سنوات 1960 ــ 1964. وهو يصف محاولة مأسسة النسخة الإسرائيلية للنكبة الفلسطينية عام 1948، ومنحها صبغة أكاديمية.
بن جوريون، استعان بأفضل المستشرقين ليبرهنوا على أن الفلسطينيين هربوا عام 1948، ولم يطردوا بالقوة أو يهجروا. لكن يتفق معظم المؤرخين الصهيونيون منهم وغير الصهيونيين، وما بعد الصهيونيين على أن الجيش الإسرائيلي وعصاباته هجروا سكان 120 قرية من أصل 530. وأن نصف ذلك العدد من القرى هرب سكانها بفعل الهلع ولم يسمح لهم بالعودة. ولا تقدم المستندات والوثائق المفتوحة أمام الباحثين الإسرائيليين إجابة قاطعة عن السؤال حول خطة منظمة لتهجير الفلسطينيين. عموما، أدرك كل من ارتبط بالمؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية أن طرد الفلسطينيين بالقوة هو سر يجب التحفظ عليه. وعلى سبيل المثال لم يكن بإمكان موشيه ديان، الذي أمر بطرد البدو عندما كان في منصب جنرال منطقة النقب بعد عام 1949، أن يناقض أقوال رئيس الحكومة (بن جوريون) حول ترك العرب المكان بإرادتهم. وقد ادعى بن جوريون أن على إسرائيل أن تشرح للعالم أن "كل الحقائق غير معروفة، فهنالك مواد جهزتها وزارة الخارجية من وثائق المؤسسات العربية، كتلك التابعة للمفتي أمين الحسيني فيما يخص الهروب، وأن هذا الأمر حدث بإرادة العرب، لأنه قيل لهم إن البلد كله سيحتل وسيسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم، بل سيملكون البيوت أيضا". وزعم أن هناك حاجة إلى عملية شرح وتفسير جدية، مكتوبة وشفهية. ولذلك توجه بن جوريون إلى مركز "شيلواح" وطلب تجميع مواد عما دعاه "هروب العرب". وقد عرض معظم المؤرخين إثباتات تفيد بأن بن جوريون عرف عن حالات طرد وتهجير للفلسطينيين، بل سمح بذلك. لكن معظمهم لا يناقشون مسألة أن جنود جيش الاحتلال طردوا العديد من الفلسطينيين خلال النكبة.
ويذكر أنه وعلى ضوء الضغط الذي فرضه الرئيس الأميركي جون كنيدي، ومطالبته إسرائيل عام 1961 بإعادة جزء من اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم. ثم دخول الأمم المتحدة لبت قضية اللاجئين، عرف بن جوريون أن أساس مشكلة قضية اللاجئين هو في شكل الرواية، لذلك على إسرائيل إقناع العالم بأن الفلسطينيين هربوا ولم يتم طردهم. وقال إن "لكل قصة براهين ودلائل، كيف هرب هؤلاء؟ وبما أنني مطلع على الموضوع، أقول لكم إن غالبية هؤلاء هربوا قبل قيام الدولة بملء إرادتهم، حتى إن الهاجانا قالت لهم ابقوا هنا... بعد قيام الدولة".
وبإغلاق الأرشيفات تواصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبني وتسويق الرواية الصهيونية المختلقة لنكبة فلسطين. صناعة الكذب منتج إسرائيلي بامتياز.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/05/12