النكبة... ذكرى الخديعة الكبرى
قاسم حسين ..
يسترجع العرب ذكرى النكبة اليوم، بمناسبة مرور مئة عام على اتفاق سايكس بيكو، على خلفية نكبة جديدة، في مرحلةٍ يقود فيها المنطقة العربية تنظيم «داعش».
في الاتفاق المشؤوم، تواطأ وزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا، على تقسيم البلاد العربية في المشرق بينهما كغنائم حرب، في أعقاب هزيمة الدولة العثمانية، بعدما وقف معهم العرب وساعدوهم في مجهودهم الحربي. وقد اصطدم في الحرب الأولى محوران: الحلفاء والمركز أو الوسط، وضم كلّ منهما ثلاث امبراطوريات: بريطانيا، فرنسا وروسيا، مقابل ألمانيا وتركيا والنمسا/ المجر. وكان أكثرها امبراطوريات هرمة، سرعان ما تداعت بعد الحرب، فتغيّرت بعدها صورة العالم وبرزت قوى جديدة، على أنقاض العالم القديم: روسيا الشيوعية التي ستقود المعسكر الاشتراكي لاحقاً لمدة سبعين عاماً، وأميركا التي ستقود العالم الرأسمالي حتى الآن.
في هذه اللعبة الكبرى، كان الخاسر الأكبر هم العرب، فقد عاشوا تابعين للخلافة العثمانية لأكثر من أربعة قرون، ووعدتهم بريطانيا بالتحرر والاستقلال إن هم قاتلوا معها، بينما كان وزير خارجيتها يتفق مع نظيره الفرنسي لتقاسم بلدانهم بعدما تضع الحرب أوزارها. كانت خدعةً كبرى، ضحك فيها الانجليز على زعماء العرب وحكامهم، يمكنك أن تقرأ تفاصيلها فيما أورده أمين الريحاني في كتاب «ملوك العرب».
الاتفاق المشؤوم وضع أساس تقسيم المنطقة، فكانت سوريا ولبنان من نصيب فرنسا (إلى جانب تونس والجزائر وجزء من المغرب المقتَسَم مع أسبانيا)، وفلسطين وشرق الأردن من نصيب بريطانيا (إلى جانب مصر والعراق واليمن والسودان ودول الخليج)... أما ليبيا فمُنحت للإيطاليين. لقد كنا فعلاً مثل الأيتام على مائدة اللئام. ماذا تغيّر اليوم من هذه المعادلة؟
لقد خرج المستعمرون قبل خمسين عاماً، وآل الحكم لأبناء المنطقة، وأصبحنا دولاً مستقلة رسمياً وذات سيادة، من الأربعينيات حتى نهاية السبعينيات، ولكن ثلث هذه الدول تحوّل إلى دولٍ فاشلة، وثلثها في طريقه للفشل، والثلث الباقي يترنّح في الطريق، بعد انهيار أسعار البترول. ولم تخرج من بيننا دولةٌ واحدةٌ تحترم الإنسان، أو تطبّق الديمقراطية الحقيقية، أو تحترم شعبها وتعامله كبشر، وليس كقطعان حيوانات أو عبيد، فضلاً عن صعوبة أن تفتح عينيك على تجربةٍ عربيةٍ واحدةٍ ناجحةٍ في مجال التنمية، يمكن أن نفخر بها بين العالم.
قبل أربع سنوات من توقيع الاتفاقية المشؤومة (سايكس بيكو)، اتصلت الدول الأوروبية بالسلطان عبدالحميد، الذي خاطبه السيد جمال الدين الأفغاني قبل عقدين من ذلك، بأنك «تتلاعب بمصير شعوب الإمبراطورية» كما أتلاعب بحبّات مسبحتي، وفرضت عليه التنازل عن أراضٍ شاسعة، ومناطق غنية في آسيا الصغرى. وجرت مراسلات مع الشريف حسين لتحريضه على مقاتلة العثمانيين، ووعده الانجليز بمنحه دولة عربية مستقلة في الهلال الخصيب. كان العرب يثقون ثقةً مطلقةً بالانجليز، لكن هؤلاء كانوا قد اتفقوا مسبقاً مع فرنسا على تقاسم أراضي وثروات هذه الشعوب المستغفَلة، فقد كانوا يفكّرون بجسرٍ بري يمتد من العقبة إلى البصرة، يوصلهم بحراً إلى الهند، أما الفرنسيون فكانا يضعون أعينهم على الجزء الزراعي... في ذلك الهلال الخصيب.
بعد مئة عامٍ، مازالت المعركة مستمرة، في البقعة الجغرافية نفسها، قلب العالم العربي، حيث يدور الصراع حول الهلال الخصيب. لكن هذه المرة لن يكون صراعاً للسيطرة على الأرض، لأنها ستكون أرضاً محروقةً لا فائدة منها، ولا قيمة لها، بعد أن دخلنا نحن الحمقي، المغفّلين، المستحمَرِين، بملء إرادتنا، وكامل وعينا، إلى الفخ، لننفّذ على أيدي الحركات التكفيرية العبثية الهوجاء، أكبر عملية «تدمير ذاتي» في التاريخ.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/05/17