تصريحات متناقضة جدّاً
قاسم حسين ..
قال وزير العمل والتنمية الاجتماعية جميل حميدان إن «تطبيق نظام البحرنة الموازي الاختياري جاء في ظلّ الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البحرين بسبب تدنّي أسعار النفط، من أجل تشجيع المستثمرين على دخول السوق المحلية، وجلب رؤوس الأموال، الأمر الذي سيؤدي إلى توليد وظائف للمواطنين».
الوزير أدلى بهذا التصريح في ندوةٍ عقدها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الأسبوع الماضي، وتعلّق بما سُمّي بـ«نظام البحرنة الموازي»، الذي يُعفي المؤسسات من الالتزام بنسب البحرنة مقابل دفع 300 دينار على كل عامل أجنبي يخلّ بنسبة البحرنة. وهو نظامٌ لن يفيد الاقتصاد الوطني، وإنّما سيلحق به مزيداً من الضرر، ويزيد نسبة العمالة الأجنبية على حساب العمالة الوطنية، التي تعاني أصلاً من قلة فرص العمل، في ظلّ اقتصادٍ يذهب 83 في المئة من الفرص التي يولّدها إلى الأجانب. وهي مشكلةٌ مزمنة، عجز وزراء العمل الذين تعاقبوا على كرسي الوزارة خلال العشرين عاماً الأخيرة، عن حلحلتها، أو إيجاد حلول صحيحة وسياسات تصحيحية لهذا المأزق.
سنويّاً يتخرج أكثر من 7 آلاف طالب بحريني، ألفان منهم تقريباً من الجامعات الوطنية والأجنبية، ويعجز الاقتصاد الوطني عن امتصاص غير نسبة صغيرة منهم، ليُضاف الباقون إلى طابور العاطلين عن العمل. هذه هي المشكلة باختصار.
في المقابل، هناك تفضيلٌ للعمالة الأجنبية حتى مع وجود خريجين بحرينيين يحملون نفس التخصصات والمؤهلات العلمية، وأبرز الأمثلة ما تفعله الوزارات العتيدة، مثل التربية والتعليم، والصحة، وأخواتهما. أضف إلى ذلك وجود عمالةٍ أجنبيةٍ سائبةٍ تقدّر بعشرات الآلاف، تعمل خارج القانون، ولا تقتصر على المهن الصعبة، بل تتعداها إلى الكثير من المجالات الفنية التي يمتلكها المواطنون، في ظل منافسة غير متكافئة لصالح الأجانب.
ما سُمّي بـ«نظام البحرنة الموازي الاختياري»، الذي دافع عنه وزير العمل، أثار الكثير من الاعتراضات والانتقادات، حيث سيعمق هذه الهوّة، ويزيد أعداد العاطلين، حيث يفتح الباب أمام الشركات والمؤسسات لزيادة الاعتماد على العمالة الأجنبية، وبالتالي زيادة تقليص نسبة مساهمة البحرينيين في سوق العمل في بلدهم.
التناقض الأكبر في تصريح الوزير، يتجلّى في قوله إن الهدف من وراء اعتماد نظام البحرنة الموازي الاختياري هو «جلب الاستثمارات التي تؤدّي إلى توليد وظائف للمواطنين». وهي فكرة نظريّةٌ تسبح في الفضاء، ولا تجد لها تطبيقاً واقعيّاً على الأرض.
تاريخيّاً، كان البحرينيون يشكّلون نسبةً كبيرةً من سوق العمل، عند بداية الاستقلال مطلع السبعينات، ومع الطفرة النفطية وزيادة الطلب على الأيدي العاملة الأجنبية نهاية السبعينات، تراجعت نسبة البحرينيين. وكانت المشكلة واضحةً عند متّخذي القرار، فتمّ تبني فكرة «بحرنة الوظائف»، وفرضها كسياسةٍ وقانون، فساهم ذلك في حفظ الحدّ الأدنى من حقوق التوظيف للبحرينيين، كما طُرحت مشاريع لم تُستكمل، مثل «تدريب العشرة آلاف»، مطلع الثمانينات.
البطالة كانت أحد عوامل الاضطراب السياسي في البحرين، ويذكر الجميع كيف انطلقت أحداث التسعينات في أعقاب قمع تجمعٍ للعاطلين أمام وزارة العمل، كانوا يطالبون بالعمل في 1994، وما تلاه من تفاعلات، وصولاً إلى تحركات «لجنة العاطلين» في (فبراير/ شباط 2003)، انتهاءً بأحداث فبراير 2011.
إن من أكبر المغالطات القول إن إقرار «نظام البحرنة الموازي»، سيشجّع المستثمرين على دخول السوق المحلية وجلب المزيد من رؤوس الأموال، الأمر الذي سيؤدي إلى توليد وظائف للمواطنين البحرينيين»... فالتجارب خلال ثلاثين عاماً تثبت خلاف ذلك، و«الميّة تكذب الغطاس»!!
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/05/26