الحياة مع ثلاثة رجال.. الروائي والسياسي والإرهابي
عادل حوشان ..
الحقيقة أنني لا أعرف إلى أين ستنتهي هذه المقارنة بين ثلاثة رجال في الغالب، كل واحد منهم يمسك بسلاحه لمواجهة الحياة ما أمكن، وكل واحد يحشو معطفه بالليل والأفكار والنهايات.
السياسي تعود على الكذب الضار، الكذب القاتل في الغالب، والكذب الذي يذهب فيه الضحايا مرغمين، تحت تهديد الخوف والسلاح إن لزم الأمر، يذهبون إلى منازلهم ومن هناك يختبئون عن يده لكنهم يراقبون ويتابعون قبضته التي تخرج من الشاشات إلى حياتهم.
الإرهابي يبحث عن نهاية واحدة لا يوجد أي احتمال لتغييرها، معطفه وقلبه عامر بالبارود لكنه لا يعرف الخوف مثل الناس الذين زرع السياسي في قلوبهم نبرته. تحت ظل الأناشيد يمكن أن يصنع شاياً ويمكن أن يبكي ليلا على المظلومين لكنه لا يحسب حساب الموتى الأبرياء والمحتملين.
الروائي يحول السياسي والإرهابي إلى موضوع، يفكّر بهما على الدوام، حتى وهو يرتب سريرا يفتح الأدراج حوله ويضع صورهما ويفتش في حياتهما عن الخيبات، خيبات الوجود، والكذبات، كذبات تمرير المفاهيم والملفات، عن أفواه السياسيين وأذرعة الإرهابيين، عن تحت الجلد الظاهر على السطر في تفاصيل حياتهم.
السياسي خائف، الإرهابي مطمئن، الروائي متعب.
السياسي محاور غير واقعيّ، الروائي منصت، الإرهابي مغلق!
السياسي يذهب للبيت ويفكر في مراوغاته، يفكر كيف ينمي هذه المهارة، أين وقع في الفخ، طرق الهرب الممكنة التي تخلصه من المأزق.
الروائي يفكر بالأشخاص كيف يمكن أن يعيشوا حياة أخرى قدر المستطاع، ويندم على أي نهاية، وسرعان ما يعيدهم من جديد للحياة.
الإرهابي يفكر كيف ينتقم من عدوه، وبدلا من زجاجة العطر يحمل الموتى معه.
الحياة تتسع لهم جميعا وتغلق فمها أمام عبواتهم المعلّقة على الأكتاف، تعطيهم الحقائب والأجراس والعربات وتحيطهم بالناس بكل أشكالهم، الناس المتقززون والناس الفرحون، تعطيهم الحزن والتعب وتشذبه لهم بطريقتها وعلى طريقتهم.
الموت كذلك، يعطي السياسي مبررا مقنعا لجريمته، ويعطي الإرهابي الرضى وعظامه، ويعطي الروائي فكرة متقدمة في العمر.
السياسي يبتسم بخفّة لص ويتجهّم كليل الغابة، الإرهابي لا تعرف ماذا يفعل بقلبه، الروائي يعبئ رأسه بالناس وكلما كثروا اختار منهم، بعناية جراح، ما يصلح لإصلاح العطب.
الإرهابي يـَختطِف، السياسي كذلك، الروائي يُختطـَف.
السياسي يكره الكهوف، الإرهابي ملاذه، الروائي مادته.
السياسي يعمل معه آلاف البشر لكنه يقرر وحيدا أساليب لعبته، الإرهابي فكّر عنه آلاف البشر وآمن بأنهم اختاروا الطريق الصحيح له، الروائي لا يزال يفكر وسيفعل ذلك على الدوام وحيدا إلا من أبطاله.
فرصة السياسي ليرى ضحيته نادرة، أما الإرهابي فإنه يعرف وجه ضحيته وربما ينظر إلى عينيه مباشرة قبل أن يمرر السكين على رقبته، أما الروائي فهو الذي مسح على وجوههم ليوقظهم بعد وقت قصير في أماكن أخرى.
السياسي فقير في ابتكار حياة ناعمة تصلح للبشر، الإرهابي فقير في فهمهم، الروائي يتألم لأنه يقع بين فكّين ضاربين في الأوهام.
السياسي يكره الاثنين، الإرهابي أيضا، الروائي يكره ما يفعلون.
في الحياة يُمضي هؤلاء الثلاثة وقتهم بين قوسين كل حدّد مصيره من قبل لكن الموت الأكثر طمأنينة لمن أحب الحياة منهم ودافع عنها ومضى إليها وحاول بقلبه وأسنانه أن يعيش الناس أحرارا.
هم سيذهبون حتما كل إلى جهة نظر إليها ودقّق في كحل عينيها طويلا، أما أنت أيها البشري البسيط الذي يبحث عن خلاصه فلا تثق بأي منهم!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/06/02