آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

معركة تحرير الفلوجة هل توحّد العراق؟

 

قاسم حسين ..

كانت أول مدينةٍ يسيطر عليها تنظيم «داعش» قبل ستة أشهر من إعلان قيام «داعش»، وكان ينظر إليها على أنها عاصمة «داعش».

 

من هذه المدينة التي يبلغ تعدادها 50 ألفاً، كانت تنطلق العمليات الإرهابية والسيارات المفخّخة، لتهدّد العاصمة بغداد بملايينها السبعة. كانت أداة تمزيقٍ للجسد العراقي الجريح، فهل تتحوّل إلى أداة توحيد وتضميد؟

 

تنظيم «داعش» لم ينزل من السماء بالمظّلات، وإنّما هو نتاج زواج بقايا عناصر النظام البعثي المنحل، وبقايا تنظيم «القاعدة» الإرهابي، الذي تحوّل باتجاهٍ أكثر دمويةً ووحشيةً، مع استقطاب عناصر جديدة، من أكثر من خمسين دولة، تم تمويل حركة تنقلاتهم وتسهيل دخولهم إلى الأراضي العراقية، لتنفيذ أجندات دول كبرى، ضمن المشروع الذي بشّرنا به الأميركيون قبل 12 عاماً، ولم تتبيّن ملامحه شعوب المنطقة إلا بعد انتشار كل هذه «الفوضى الدموية الخلاقة» قبل عامين.

 

الوضع العراقي المعقّد، والسياسات المتخبّطة على يد النخبة السياسية الفاشلة، شيعةً وسنةً وأكراداً، وتقاتل السياسيين الجدد على المصالح والنفوذ، أوصل الشعب إلى الكفر بالعملية السياسية برمتها. وحين ضرب «داعش» ضربته قبل عامين، تفكّك الجيش العراقي وانسحب دون قتال، لتسقط ثلث أراضي الدولة خلال يومين.

 

واستلهم التنظيم الإرهابي اللقيط، أسلوب «الصدمة والترويع»، الذي اتبعته الولايات المتحدة في احتلال العراق، لإرعاب الأطراف الأخرى وشلّ حركتها، مستخدماً أبشع طرق القتل والذبح والسحل والإغراق والحرق بالنار، مع الحرص على تصوير كل هذه الجرائم البشعة، وبتقنية عالية، لتأخذ طريقها لوسائل الإعلام وتؤتي مفعولها في الحرب النفسية. وهو ما نجح فيه في الأسابيع الأولى إلى حد كبير، حيث بات يهدّد بإسقاط بغداد خلال فترة وجيزة، لولا قرار المرجعية الدينية بإعلان الحشد الشعبي الذي أنقذ الوضع وحافظ على كيان الدولة العراقية ووجودها، وإلا كان السيناريو الآخر: سيطرة «داعش» على العراق، وتمدّده ليهدّد الأردن ودول الخليج. وهو السيناريو الذي كان مطروحاً، من الأسبوع الثاني من غزوة «داعش»، حيث أرسل «داعش» جنوده جنوباً وغرباً، على الحدود السعودية والأردنية، ما دعا الدولتين العربيتين لاتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة هذا الخطر الداهم.

 

كانت الفلوجة تمثّل الخاصرة الرخوة للعاصمة العراقية، فهي لا تبعد أكثر من خمسين كيلومتراً عن بغداد، وكان يقيم فيها عتاة قادة «داعش»، ووجدت حاضنةً شعبيةً، وتغطيةً إعلاميةً قدّمتهم كثوار عشائر عربية، منذ بداية إعلان ما سُمّي بـ»الدولة الإسلامية». ونُشر على «اليوتيوب» اجتماع بعض شيوخ المدينة وهم يبايعون التنظيم علناً، وبعضهم أعلن تبرعه بالسلاح والعتاد للتنظيم.

 

كان تحرير هذه المدينة أولويةً للأمن القومي العراقي وحفظ كيان الدولة، ويعتب كثير من المراقبين العراقيين على حكومتهم تأخير هذه الخطوة، لما تسبّبت فيه من استمرار سفك دماء آلاف المدنيين الأبرياء. في المقابل، كانت هناك رغبة أميركية أكيدة للإبقاء عليها كورقة ضغطٍ على الحكومة العراقية، ضمن مسرح عمليات إقليمي كبير، تظلّله مشاريع تقسيم جديدة لبلدان المنطقة على أسس طائفية باتت شبه معلنة. وحتى حين أعلنت الحكومة العراقية قرارها بتحرير المدينة، عارضتها أميركا، وتذرّعت بأن الأولوية لتحرير الموصل، لتظل شوكةً في خاصرة العراق.

 

من هنا، كان تحرير الفلوجة قراراً عراقياً بحتاً، وقد أحسنت القيادة العراقية صنعاً بإدارة المعركة حتى الآن، حيث ظهر توافق وانسجام تام بين رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب الجبوري، على ضرورة إكمال المعركة، التي برزت خلالها أسماء سياسية جديدة، دينيةً ومدنيةً، أظهرت إخلاصاً للوطن، وتمسّكاً بالهوية العراقية الجامعة، بعد 13 عاماً من التشرذم والضياع والتفريط بالثوابت الوطنية.

 

من أهم ما كشفت عنه المعركة حتى الآن، وجود تحوّل في قناعات الشارع الذي اكتشف تلاعب ساسة المناطق المنكوبة بـ»داعش»، بمصير مواطنيهم. حتى الحاضنة الشعبية تغيّر موقفها بعد تجربة العيش تحت حكم «داعش»، لما لاقوه من أحكام تعسفية ومرارة وشظف عيش واستبداد على طريقة «طالبان». وفي المقابل، أحسنت قيادات الميدان بالتواصل مع السكان، والمحافظة على أرواحهم، وبعث رسائل طمأنة، مع إشراك الأهالي في الحشد الشعبي لاسترجاع مناطقهم من براثن التنظيم الدموي.

 

في السابق، كان العراقيون يدخلون معاركهم دون غطاءٍ إعلامي، وكان التهويش الإعلامي الخارجي الهائل يضعف معنوياتهم ويؤثر على أدائهم، أما هذه المرة فقد أعدّوا لذلك عدته، فغادروا منصة «الفيسبوك» المحدودة إلى عالم «التويتر» الواسع، ليعبّروا عن أنفسهم وقضيتهم بكل ثقة وإيمان.

 

إنها أفضل فرصةٍ منذ 13 عاماً، تتاح للعراقيين لتوحيد الكلمة والاجتماع على مصلحة عراقية واحدة، وتصحيح المسارات الخاطئة التي أغرقت العراق في مستنقع الخلافات والتشظيات والمصالح الحزبية للساسة الفاسدين، لينهض الحصان العراقي الجريح معافى من جديد.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/06/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد