آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مرزوق بن تنباك
عن الكاتب :
باحث وأكاديمي وأديب سعودي وعضو في هيئة التدريس بقسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة الملك سعود

الكفيل الغارم لوزارة الإسكان


مرزوق بن تنباك ..

سأبدأ مقالي بقصة طريفة هي أن رجلا صاحب نكتة وظرف له صديق طيب القلب يتمتع بحظ لا بأس به من الغفلة، فأصبحت كل مقالبه يصبها على صديقه الضعيف حتى شعر أنه يحتاج إلى التوبة عما صنع، ولا يكفر ذنبه إلا توبة نصوح وعمرة، فذهب إلى مكة فلما قضى عمرته وأعلن توبته عن مقالبه بصديقه، وإذا بصديقه يناديه في ساحة الحرم، ويسأله إن كان يعرف مسجدا قريبا فقد حان وقت الصلاة، فصاح الرجل التائب يا رب أشهدك عليه فهل أستطيع بعد هذا أن أسكت، فوصف له جبل أبي قبيس ليصلي فيه.

ذكرت هذه الطرفة وأنا أقرأ ما أعلنته وزارة الإسكان منذ أيام عن تعديل اللوائح التي بموجبها ستساعد المواطنين الذين لا يستطيعون تأمين سكن لأنفسهم، وتسعى لتبحث حاجاتهم وتسد ما تجد من نقص في المساكن، وأهم ما جاء في تعديل اللوائح هو طلب الوزارة لكفيل غارم يحضره كل مستفيد يعجز عن سداد حقها، أما السكن فلا تزيد قيمته عن مبلغ خمسمئة ألف ريال، وهذا ما جعلني أعود للحديث عن عجائب وزارة الإسكان بعد التوبة النصوح ألا أكتب عنها شيئا ولا عن مشاريعها وتخطيطها منذ تأسيسها حتى طلب الكفيل الغارم لسداد حقها.

من نافلة القول أن أشد حاجة تواجه الناس في المملكة هي الشح الشديد والحاجة الكبيرة للمواطنين الذين تعجز قدراتهم المادية عن حاجتهم في تأمين مسكن مهما كان حجم المنزل ومكانه، وقد أدركت الدولة منذ فترة أن تكاثر هؤلاء العاجزين عن تأمين مساكن لهم بقدراتهم الذاتية شيء يحتاج تدخلها لمساعدتهم، فأنشأت مؤسسة للإسكان ثم تحولت إلى وزارة لتكون على مستوى المسؤولية التي أنيطت بها، ورصد لها في مرة واحدة أكثر من مئتين وخمسين مليارا وأعطيت مساحات واسعة من الأراضي البيضاء لتمكينها من أداء واجبها وحل مشكلة السكن فقضت وقتها في البحث والتصنيف ووضع الضوابط واللوائح، وذهب وزير وجاء غيره وبقي كل شيء كما كان من قبل، زادت حاجات الناس ولم تقدم الوزارة الكثير من الحلول وكل ما تقوم به هي وعود ولوائح وتنظيمات، وخاتمتها ما نشر قبل أسبوع من تعديلات لبعض أنظمتها، وأهم ذلك الكفيل الغارم وتضامن أسرته معه لمن لا يسدد ما تقدمه الوزارة له من قرض، والمبلغ الذي لا يتجاوز خمسمئة ألف ريال في كل الأحوال للمسكن كما تسميه الوزارة، ولا أدري كيف قدرت الوزارة قيمة السكن بخمسمئة ألف ريال ولا بأس أن نحاول قراءة النص (يحدد مبلغ القرض السكني بناء على تكلفة المسكن الذي يرغب المتقدم في شرائه أو بنائه في مبلغ القرض، مع مراعاة ألا يتجاوز مبلغ القرض السكني قدرة المتقدم أو المتقدم وأفراد أسرته المدرجين في الطلب بحسب ما تحدده الوزارة وفي جميع الأحوال لا يتجاوز مبلغ القرض السكني خمسمئة ألف ريال سعودي، وتحدد الوزارة تكلفة المسكن الذي يرغب المتقدم بشرائه أو بنائه مبلغ القرض وفقا لتقديرها بناء على المعايير ذات العلاقة ومنها موقع المسكن ومساحته ومواصفاته).

هذه الفقرة الطويلة تفقع المرارة كما يقال، ليس في صياغتها فحسب بل في مضمونها، هل من وضع تقدير المنزل يعيش في المملكة ويعرف أن متوسط سعر المتر في المدن الرئيسية وفي أبعد نقطة صالحة للسكن وتتوفر فيها الخدمات لا يقل عن ألفي ريال؟ كم مساحة البيت الذي تقدمه الوزارة لعملائها وتحدد قيمتها كما تريد؟ أظن أن المسؤولين في الوزارة لا يجهلون القيمة الحقيقية ولكنهم يجهلون المنطق الواقعي الذي يخاطبون به الناس. أما الفقرة التالية فلا يمكن أن يفهمها إلا عملاء شيبان الجفرة الشهيرة في الرياض قبل ثلاثين سنة حيث جاء فيها (إذا كان المتقدم وأفراد أسرته المدرجون في الطلب غير قادرين على سداد القسط المالي للدعم السكني حسب تقدير الوزارة يشترط إحضار كفيل غارم تقبله الوزارة لسداد القسط أو تعجيل سداده).

والسؤال من الكفيل الغارم الذي سيكون أقدر من الوزارة بتسديد حقوقها، وما نوع القبول الذي تطلبه للغارم، وهل الكفيل الغارم أقوى من الوزارة باستخلاص الحقوق. والكلمة الأخيرة المهمة الموجهة للوزارة وموظفيها هل واجب الوزارة وضع القيود والاحتمالات للعجز والتسديد، أو أنها جهة حكومية مهمتها مساعدة الناس ووضعهم في ظروف أفضل، ووظيفتها الحقيقية تقديم المسكن المناسب لأشد المواطنين حاجة إليه، أما تحصيل قيمته وتقديرها فالمفروض أن يحددها الدخل الحقيقي لكل أسرة تستفيد من خدمات الوزارة وبشكل تنازلي حتى تصل المطالبة في بعض الحالات إلى الصفر، وهذا معروف في النظام الاجتماعي للسكن الذي تقدمه الدولة للمعسرين من المواطنين.
 
صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/06/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد