آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

الصحوة التي ذهبت مع الريح


قاسم حسين ..

مع نهاية السبعينات، كانت أكثر كلمةٍ متداولةٍ في الإعلام، كلمة «الصحوة الإسلامية»، التي مثّلت حلماً لملايين العرب والمسلمين بانتشالهم من حالة الضياع الفكري، والاستلاب الثقافي، والتبعية السياسية للغرب.

كانت حلماً واعداً للكثيرين، سرعان ما تحوّلت إلى نكبة كبرى، مع التدخل السوفياتي في أفغانستان، وانطلاق الحرب العراقية الإيرانية، حيث تحوّلتا إلى محرقتين كبيرتين تستنزفان قوى المنطقة بشرياً ومادياً، وبدأ يومها استخدام أقذر الأسلحة التي يستخدمها السياسيون: تمزيق المسلمين وتصنيفهم إلى سنّة وشيعة.

كان أول من وضع يده على هذا الدمل زبجنيو بريجنيسكي، مستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي، وعمل قبلها مستشاراً للرئيس ليندون جونسون أيام حرب فيتنام. وهو مفكر استراتيجي، يبلغ الآن 88 عاماً، ومازال يكتب وينظّر في السياسة الدولية، وهو الذي اكتشف هذا الكهف المليء بمختلف أنواع التناقضات المذهبية، وفكّر في استغلاله وتوظيفه لخدمة السياسة الأميركية، فالحرب بين المسلمين هي أفضل وسيلةٍ لاستنزاف هذه المنطقة وتحويلها إلى خرائب وأطلال.

في الحرب الإيرانية العراقية، طُرح لأول مرةٍ على يد نظام البعث، كلمات الفرس والمجوس، في أسوأ استرجاعٍ لمواريث الجاهلية، وكان من المفترض أن تكون الأمة -وهي تعيش بدايات صحوة إسلامية- محصنّةً من هذه الألاعيب السياسية، خصوصاً أن «الفرس» لعبوا دوراً كبيراً في التاريخ الإسلامي، فكانوا أئمة مذاهب، وحفظة قرآن، وجامعي سنة نبوية في كتب الصحاح (البخاري، مسلم النيسابوري، الترمذي، النسائي، أبو داوود السجستاني، ابن ماجة القزويني). بل ساهموا أيضاً في وضع قواعد اللغة العربية وحفظها، كما هو الحال مع سيبويه والكسائي.

وقد استمر اللعب بالنار وفي الأرض العراقية التي انطلق منها ابتداءً، حتى غزو النظام البعثي للكويت في 1990، حيث تحوّل اتجاه المعركة، لتدخل المنطقة في نفقٍ آخر مظلمٍ، انتهى الآن إلى صناعة «داعش» وتسليطها على سورية والعراق.

بداية «الصحوة»، تزامنت مع حدثين عسكريين ضخمين، دخول القوات السوفياتية أفغانستان، ودخول الإسرائيليين لبنان، مازالت تداعياتهما مستمرة حتى اليوم على مستوى المنطقة. ففي الزلزال الأول تم استنفار آلاف الشباب من مختلف البلاد الإسلامية لمواجهة الغزو السوفياتي، بدعمٍ عربي وغربي، في عملية ضخمة شاركت فيها القوى الكبرى بأسلحتها ومخابراتها.

كانت حرب استنزاف كبرى للسوفيات، انتهت بخروجهم بعد الاتفاق بوقف الدعم الأميركي والباكستاني لـ»المجاهدين» بالأسلحة والمال. وبدأ سحب القوات في 15 أغسطس 1988 (وهو الشهر نفسه الذي توقّفت فيه الحرب العراقية الإيرانية)، واستُكمل رسمياً في 15 فبراير 1989، لتدخل البلاد في دوامةٍ من الصراعات بين زعماء الحرب، انتهت بطردهم واستيلاء حركة «طالبان» على السلطة. ومن هذا الواقع الجديد وُلد تنظيم «القاعدة»، الذي سرعان ما وضع على رأس أهدافه، مهاجمة الداعم الأكبر «الولايات المتحدة» وضرب مصالحها هنا وهناك.

في الزلزال الآخر، دخل الجيش الإسرائيلي لبنان واحتل نصف أراضيه، وخلع ما تبقّى من حكومةٍ في لبنان، ونصّب بشير الجميّل زعيم حزب الكتائب رئيساً للبنان، لكن تم اغتياله بعد أيام. وظلت لبنان تحت الاحتلال حيث تحوّل القسم الأكبر من بيروت إلى خرائب وأطلال. وتم إخراج الفلسطينيين من لبنان، ورُحّل ياسر عرفات إلى قبرص ومنها إلى تونس، بينما استمرت حركات المقاومة الوطنية يومها، حركة «أمل» والحزب السوري القومي والاشتراكي التقدمي، حتى ظهرت حركة المقاومة الإسلامية ليبدأ فصل جديد من الصراع، انتهى بطرد الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان.

هذه هي الخلفية التي انطلقت منها «الصحوة»، قبل أن تتحوّل إلى هشيم يذروه الرياح، ويتحوّل قلب المنطقة العربية في سورية والعراق إلى ميدان اقتتال.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/06/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد