نحتاج إلى أجندة وطنيَّة لتحديد الأولويَّات
التحدّياتُ الاقتصاديَّةُ الماثلةُ أمامنا حقيقيَّة، وهي تشبه تلك التحدّيات التي حدثت في النصف الثاني من عقد الثمانينات من القرن الماضي، وذلك عندما انخفض حينها سعر برميل النفط، ونتج عن ذلك عجزٌ فعليٌّ (غير دفتري) في الموازنة. وكما هو متوقَّع، فإنَّ في مثل هذه الحالات نَستذكرُ أنَّه كان علينا أنْ نُعيدَ توجيه دفَّة الاقتصاد لكي نتخطى الصُّعوبات.
الحديثُ في أوقات الرَّاحة كان يدور حول حاجتِنا إلى تحقيقِ تنميةٍ اقتصاديَّةٍ عادلةٍ ومُستدامة، ولديها مقوّمات المنافسة بمستوياتٍ عالميَّة. ومِثلُ هذا الطرح ينطلقُ من فكرةٍ محوريَّة، تقول إنَّ القطاعَ الخاصَّ يجب أنْ يكون المحرّكَ الأساسيَّ للنمو، وأنَّ هذا يؤدي إلى توفير فرص عمل مُجزيةٍ، وسيُخفّفُ الأعباءَ عن القطاع العام، وسيَفسحُ المجال لِتأخُذَ الحُكومةُ دور المنظّم للعمليَّة الاقتصاديَّة (بدلاً من كونها المُديرَ الأساسيَّ لها)، وسيمكّن الحكومةَ من التركيز على مشاريع البُنيةِ التحتيَّة، وتوفير التعليم والصَّحة والخدمات.
الحالةُ الأُنموذجيَّةُ تتحدَّث أيضاً عن حُكومةٍ صغيرةٍ، وقادرةٍ على حملِ عِبءِ نفسها، وعن بيروقراطيّة غير مُترهّلة، وأنْ يقتصر دور الحكومة (من الناحية الاقتصاديَّة) على تحسين مُناخ الاستثمار، وضمان الاستقرار المالي (من بينها خفض الديون)، وإفساح المجال للقِطاع الخاصّ أنْ يغتنمَ الفِرصَ وينمّيَها، ويَخلقَ الوظائف المُجزية، ويطوّرَ الكفاءات، ويحقق زيادة الإنتاجيَّة والمُرونة والجودة والربحيَّة.
نَعودُ لِسنتذكرَ هذه الحالة الأنموذجيَّة التي نتغنَّى بها في أوقات الراحة، لكنْ في الأوقات الصَّعبة يحتاج مثل هذا الطموح إلى إعادة التفكير في كُلّ المعوّقات التي تقف أمام تحقيق ذلك، وهذا يتطلّب مشاركات مسئولة ومُستنيرة، تجمع الحكومة بمختلف قطاعات الأعمال والشركات والمعارضة والبرلمان ووسائل الإعلام ومؤسَّسات المُجتمع المدني، سعياً إلى التوافق على أجندة وطنيَّة تحدّد الأولويَّات التي يمكن من خلالها اتخاذ خطوات عمليّة ومتأنّية.
الشركاتُ حاليّاً تفتقرُ إلى نماذجَ عمليَّةٍ تُوضّحُ لها ما يجبُ القيامُ به، وكيفيَّة الدُّخولِ في شراكاتٍ مع القِطاعِ العامّ؛ للمُساهمةِ الفِعليَّة في دعم احتياجات البلاد والمجتمع في مثل هذه الأوضاع، وكيف يُمكنُ تعبئةُ التمويل الخاصّ على المدى الطويلِ من أجل التنمية المُستدامة؛ وكيفيَّة توليد الابتكارات التي يمكن من خلالها إحداثُ نُقلةٍ نَوعيَّةٍ، وإعادةِ تَوجيهِ النهجِ نحو أنماطٍ جديدةٍ من الشراكات بين القطاعين العامّ والخاصّ.
الكاتب: منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية.
أضيف بتاريخ :2015/10/13